المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث ابن عمر ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه


نزف القلم
27-Jul-2021, 10:50 AM
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يَبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبة عنده))؛ متفق عليه، هذا لفظ البخاري.
وفي رواية لمسلم: ((يبيت ثلاثَ ليالٍ)).
قال ابن عمر: ما مرَّت عليَّ ليلةٌ منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ثم ذكَرَ المؤلِّف رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يَبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبة عنده))؛ يعني ما حقه أن يبيت ليلتين إلا وقد كتَبَ وصيته التي يريد أن يوصيَ بها، وكان ابن عمر رضي الله عنه منذ سمع هذا الكلام من رسول الله لا يبيتُ ليلةً إلا وقد كتَب وصيته.
والوصية: معناها العهد، وهي أن يعهد الإنسان بعد موته لشخص في تصريف شيء من ماله، أو يعهد لشخص بالنظر على أولاده الصغار، أو يعهد لشخص في أي شيء من الأعمال التي يملكها بعد موته فيوصي به؛ هذه هي الوصية.
مثل أن يكتب الرجل: وصيتي إلى فلان بن فلان بالنظر على أولادي الصغار. ووصيتي إلى فلان بن فلان بتفريق ثلُث مالي أو ربعه أو خُمُسِه في سبيل الله. وصيتي إلى فلان في أن ينتفع بما خلفت من عقار أو غيره أو ما أشبه ذلك.
المهم أن هذه هي الوصية، عهد الإنسان بعد موته إلى شخص بشيء يملكه، هذه هي الوصية.
والوصية أنواع: واجبة، ومحرَّمة، وجائزة.
أولًا: الوصية الواجبة: وهي أن يوصي الإنسان بما عليه من الحقوق الواجبة؛ لئلا يجحدها الورَثةُ، لا سيما إذا لم يكن عليها بيِّنة.
كأن يكون على الإنسان دَيْنٌ أو حق لغيره، فيجب أن يوصي به، لا سيما إذا لم يكن فيه بيِّنة؛ لأنه إذا لم يوصِ به فإن الورثة قد ينكرونه، والورثة لا يلزمون أن يصدِّقوا كل من جاء من الناس وقال: إن لي على ميتكم كذا وكذا، لا يلزمهم أن يصدِّقوا، فإذا لم يوصِ الميت بذلك، فإنه ربما يكون ضائعًا، فمن عليه دَينٌ - يعني حقًّا في ذمته لأحد - فإنه يجب عليه أن يوصي به.
كذلك أيضًا أن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما تيسَّر؛ لقول الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾؛ يعني مالًا كثيرًا ﴿ الْوَصِيَّةُ ﴾ هذه نائب الفاعل ﴿ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180]، فخرج من ذلك - مِن الوالدين والأقربين - مَن كانوا ورثة؛ فإن الورثة لا يوصى لهم، وبقيت الآية محكمة فيما عدا الوارثين.
هكذا دلالة الآية، وبها فسَّرها ابن عباس رضي الله عنهما، وذهب إليها كثيرٌ من أهل العلم أن الإنسان يجب أن يوصي إذا كان عنده مالٌ كثيرٌ بما تيسَّر لأقاربه غير الوارثين، أما الوارث فلا يجوز أن يوصى له؛ لأن حقه من الإرث يكفيه، فهذان أمران تجب فيهما الوصية.
الأول: إذا كان عليه دَين؛ يعني حقًّا للناس.
والثاني: إذا ترك مالًا كثيرًا، فإنه يلزمه أن يوصي لأقاربه من غير الوارثين.
ثانيًا: الوصية المحرَّمة: وهي محرَّمة إذا أوصى لأحد من الورثة، فإنه حرام عليه، مثل أن يوصي لولده الكبير بشيء من بين سائر الورثة، أو يوصي لزوجته بشيء من بين سائر الورثة، فإن هذا حرام عليه، حتى ولو قدِّر أن المرأة - أي: الزوجة - كانت تخدمه في حياته وتطيعه وتحترمه، وأراد أن يكافئها، فإنه لا يحل له أن يوصي لها بشيء، وكذلك لو كان أحد أولاده يبره ويخدمه ويسعى في ماله، فأراد أن يوصي له بشيء، فإن ذلك حرام عليه.
وكذلك ما يفعله بعض الناس إذا كان له أولاد عدة وزوَّج الكبير، أوصى للصغار بمثل المال الذي زوَّج به الكبير، فإن هذا حرامٌ أيضًا؛ لأن التزويج دفع حاجة؛ كالأكل والشرب، فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيهم قدرةٌ، وجب عليه أن يزوجه، ومن لم يحتَجْ إليه فإنه لا يحلُّ له أن يعطيه شيئًا مثل ما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج.
وهذه مسألة تخفى على كثيرٍ من الناس، حتى على طلبة العلم، يظنون أنك إذا زوَّجتَ ولدك، فإنك يجب أن توصي لأولاد الصغار بمثل ما زوَّجتَه به، وهذا ليس بصحيح، فالوصية للوارث لا تجوز مطلقًا.
فإنْ قدِّر أن أحدًا كان جاهلًا وأوصى لأحد الورثة بشيء، فإنه يرجع إلى الورثة بعد موته، إن شاؤوا نفَّذوا الوصية، وإن شاؤوا ردُّوها.
ثالثًا: الوصية المباحة: فهي أن يوصي الإنسان بشيء من ماله لا يتجاوز الثلُثَ؛ لأن تجاوُزَ الثلث ممنوع، لكن ما دون الثلث أنت حرٌّ فيه، ولك أن توصي فيه لمن شئت إلا الورثة، هذه جائزة.
ولكن هل الأفضل الثلث أو الربع أو ما دون ذلك؟ نقول: أكثر شيء الثلث لا تزد عليه، وما دون الثلث فهو أفضل منه؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص: ((الثلث والثلثُ كثير))، وكان أبو بكر رضي الله عنه أوصى بخُمس ماله، وقال: أرضى بما رضي الله لنفسه الخمس، فأَوصى بخمس ماله. وهذا أحسن ما يكون.
وليت طلبة العلم والذين يكتبون الوصايا ينبِّهون الموصين على أن الأفضل: الوصية بالخمس لا بالثلث، وقد شاع عند الناس الثلث دائمًا، وهذا الحد الأعلى الذي حدَّه الرسول عليه الصلاة والسلام، وما دونه أفضل منه؛ فالربع أفضل من الثلث، والخمس أفضل من الربع.
وإذا كان الورثة محتاجين فتركُ الوصية أَولى؛ هم أحق من غيرهم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام ((إنك أنْ تَذَرَ ورَثَتك أغنياءَ خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس))، فإذا كان الورثة الذين يرثونك تعرف أن حالهم وسط، والمال شحيح عندهم، وأنهم إلى الفقر أقرب، فالأفضل ألا توصي.
ففي هذا الحديث الإشارةُ إلى أن الإنسان يوصي، ولكن الوصية تنقسم إلى أقسام كما أشرنا، منها واجبة، ومنها محرَّمة، ومنها مباحة.
فالواجبة: أن يوصي الإنسان بما عليه من الحقوق الواجبة؛ لئلا يجحدها الورثة، فيضيع حقُّ من هي له، لا سيما إذا لم يكن بها بيِّنة.
والثانية من الوصية الواجبة: وصية من ترك مالًا كثيرًا لأقاربه الذين لا يرثون بدون تقدير، لكن لا تزيد عن الثلُث.
والوصية المحرَّمة: نوعان أيضًا: أن تكون لأحد من الورثة، وأن تكون زائدة على الثلث.
والمباحة: ما سوى ذلك، ولكن الأفضل أن تكون المباحة من الخمس فأقل، وإن زاد إلى الربع فلا بأس، وإلى الثلث فلا بأس، ولا يزيد على الثلث.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما العمل بالكتابة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إلا ووصيتُه مكتوبة عنده))، فدل هذا على جواز العمل، بل وجوب العمل بالكتابة.
وفي قوله: ((مكتوبة)) اسم مفعول، إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون هو الكاتب أو غيره ممن تثبت الوصية بكتابته، فلا بد أن تكون الكتابة معلومة؛ إما بخط الموصي نفسِه، أو بخط شخص معتمد، وأما إذا كانت بخط مجهول، فلا عبرة بها، ولا عمل عليها.
وفي قوله: ((عنده)) إشارة إلى أنه ينبغي أن يحتفظ الإنسان بالوثائق، وألا يسلِّط عليها أحدًا، بل تكون عنده في شيء محفوظ محرز كالصندوق وغيره؛ لأنه إذا أهملها فربما تضيع منه، أو يسلَّط عليها أحد يأخذها ويتلفها، أو ما أشبه ذلك.
المهم في هذا الاعتناءُ بالوصية، وأن يحتفظ بها الإنسان حتى لا تضيع.
وفيه أيضًا سرعة امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما بعد ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم: "ما مرَّت عليَّ ليلةٌ منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا إلا ووصيتي مكتوبة عندي".
فالذي ينبغي للإنسان أن يهتم بالأمر؛ حتى لا يَفجَأَه الموت وهو قد أضاع نفسه، وأضاع حقَّ غيره.
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 460- 465)

سلطان الزين
27-Jul-2021, 11:23 AM
جزاك الله كل الخير

غَيْم..!
27-Jul-2021, 05:05 PM
جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك ..

سليدا
28-Jul-2021, 12:37 PM
جَزآكــم اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ ..،
جَعَلَ أَيامكم نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُ الله في مُوآزيَنَ آعمآلَكــم
دَآمَ لَنآ عَطآئُكــم

ورد الياسمين
28-Jul-2021, 07:13 PM
جزاك الله الخير
و بارك فيك

سلطانة الزين
29-Jul-2021, 02:07 PM
جزاك الله كل الخير

جوهره
01-Aug-2021, 12:55 PM
جزاك الله خير
و بارك في جهودك

ليل،LAYL
28-Aug-2021, 02:28 PM
أخونا الفاضل / نزف القلم ...

قلمك جميل وطرحك أجمل وأنتقائك للطرح مهم
للغاية وبالتالي نتمنى أن يسـتمر في مســــــــــاره
الهادف والمنشود والمطلوب.
( جهد تستحق الشكر عليه )
الله يجزاك كـــــل الخير يارب والله يكثر من أمثالك.
ولا خلا ولا عـــــــــدم يارب والله يرضى عليك.

تقبل مني خالص ودي قبل شكري ثم إحترامي
قبل تقديري ثم في حفظ الرحمن،،،،،،،،،،،،


ردي + أعجابي + على رأسي
أخوك : ليل - مر من هنـــــــــا

Ward
30-Aug-2021, 12:30 AM
جزاك الله خير الجزاء
في ميزان حسناتك
يعطيك العافيه
.. تحيتي..

الَسِمًوٌ.!
03-Oct-2021, 10:08 PM
:


:

جّزاكَ اللهَ كُل خيرْ
فيَ ميِزانّ حسَنآتكْ يَاربّ
وْ بوركَت يمَناكّ ,!

حـُـلم
25-Dec-2023, 05:57 PM
طرح قيم
جزاك الله خير الجزاء