فأما صُورتُها الظاهرة في القيام والقراءة ُوالركوعُ والسجودُ وَنحو ذلك مِن وظائف الصلاة الظاهرة، وأما حقيقتُها الباطنةُ فمِثلُ الخشوع والإخباتِ وحُضُورِ القلبِ وكمال الإخلاصِ.
والتدبر والتفهم لمعاني القراءة ومعاني التسبيح، ونحو ذلك من وظائف الصلاة الباطنة، فظاهر الصلاة حفظ البدن والجوارح وباطن الصلاة حفظ القلب، ومن المحافظة على الصلاة والإقامة لها كمال الطهارة والاحتياط في البدن والثوب والمكان؛ قال عليه الصلاة والسلام: «الطهور شطر الإيمان» وفي الحديث الآخر: «الطهور مفتاح الصلاة وإسباغ الوضوء وتثليثه من غير وسوسة ولا إسراف».
فإن الوَسْوَسَةَ في الطهارة والصلاة من عمل الشيطان يُلَبِّسُ بها على مَن ضَعُف عقلهُ وقَلَّ علمه.
وقد وردت الأحاديث الصحيحة: «أن مَن توضأ فَأَحْسَنَ الوضوء خَرجَتْ خطاياه مِن أعضائه ودخل في الصلاة نقيًا من الذنوب»، ومن المحافظة على الصلاة والإقَامَة لها المبادرة بها في أول مَوَاقِيتها وفي ذلك فضلٌ وأجر عظيم، وهو دليلٌ على محبة العبد لربه وعلى المسارعة في مرضاته ومحابه قال - صلى الله عليه وسلم-: «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله».
وقبيح بالمؤمن العاقل أن يدخل عليه وقت الصلاة وهو على شغل من أشغال الدنيا، فلا يتركه ويقوم إلى فريضة الله التي كتبها الله عليه فيؤديها، وما يفعل ذلك إلا من عظُمت غفلته وقلَّت معرفته بالله وعظمته، وضعُفتْ رَغبته فيما أعَدَّ الله لأوليائه في الدار الآخرة.
وأما تأخيرها عن وقْتها فلا يَجُوزُ وفيه إثم عظيم.
ومِن المحافظة على الصلاة والإقامة لها: الخشوع وحُضور القلب، وتدبرُ القِراءة وفهمُ مَعَانيها، واسْتشعارُ الخُضُوعِ والتواضُعِ لله عند الركوع والسجود، وامْتِلاَءُ القلب بتعظيم الله وإجلاله وتقديسه عند التكبير والتسبيح وجميع أجْزَاءِ الصلاة، والحرص والاجتهاد في دفع الخواطر والهواجيس في شؤون الدنيا والإعراض عند حديث النفس في ذلك.
ويكون همه في الصلاة وحُسن تأدِيتهَا كما أمر الله، فإن الصلاة مع الغفلة وعدم الخشوع والحضور قليلة الجدْوَى.
فاجتهد في تدَبُّر ما تقول من كلام ربك واحرص على الطمأنينة فيها، فإن الذي لا يتم الركوع والسجود في الصلاة سارق لها؛ كما ورد في الحديث وورد أن من حافظ عليها وأتمها تخرج بيضاء تقول: حفظك الله كما حفظتني، والذي لا يتم الصلاة تخرج سَوْدَاءَ مُظْلِمة تقولُ: ضَيَّعَكَ الله كما ضَيَّعْتَني، ثم تُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوبُ الخَلق، فيضربُ بِها وجْهُهُ.
رأَى رَجُلٌ حَاتم الأصم واقفًا يَعِظُ النَّاسَ، فقال: يا حاتَمُ أرَاكَ تَعظُ الناسَ أَفَتُحْسِنُ أَنْ تُصَلي؟ قَالَ: نعم، قال: كيف تُصَلي؟ قال: أقومُ بالأمرِ وأمْشِي بالسَّكِينَة وأدْخُل بالْهِيبَة وأُكَبِّرُ بالْعَظَمَةِ، وأقرأ بالترتيل واجْلِسُ للتشهد بالتمام، وأسلم على السنة، وأسَلِمُهَا إلى ربي، وأحْفَظُها أيامَ حَياتي، وأرْجِعُ باللَّومِ على نفسِي، وأخَافُ ألا تُقْبَلَ منِّي، وأرجُو أن تُقْبَلَ منِّي وَأَنَا بَيْنَ الرَّجَا والْخَوف، وأشكر مَن عَلَّمَني، وَأَعَلِّمُ مَن سَألنِي، وأحمدُ رَبي إذ هَدَاني.
اللَّهُمَّ اكْتُبْ في قُلُوبِنَا الإِيمانَ وأيِّدْنَا مِنْكَ يا نُورَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ.