|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||
|
|||||||
قراءة بلاغية في سورة المسد (2)
قال - تعالى -: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [المسد: 1 - 5].
تعرضُ السورةُ لنمطٍ من أنماط المواجهة بين الحق والباطل، وتحكي عاقبةَ الباطل الوخيمة، وتكشف عن انتصارِ الحق وأهلِه في نهاية المطاف، وتوعُّدَ الحقِّ - جل جلاله - لكل من يقف أمام دِينه ورُسلِه ودُعاته - رجالاً ونساءً - بالويل والثبور، والتَّباب والهلاك. • ونكملُ اليوم ما بدَأْناه بالأمس. وقوله - تعالى -: ﴿ نَارًا ﴾ بالتَّنكير: إنما ورَد كذلك لبيان عِظَمها وجَسامتها وخُطورتها وكِبَرها، فهي اسمُ جنس؛ أي: نيرانًا، وقوله: ﴿ ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ صفةٌ لـ(نَارًا)، وقد وُصفت هنا بأنها صاحبةُ لَهب، والإضافة على معنى اللام، فكأنها تملِكُ اللهبَ، فهو مِلكٌ لها، لا يُفارقها، ومن ثَمَّ فهو لا يفارق أبا لهبٍ، وهناك جناسٌ بين (أبي لهب) و(نارًا ذات لهب)، وفيها مشاكلة تُحْزِن أبا لهبٍ، وتستهزئ به، وتُخبره أنَّه سيَصلى نارًا مُتأجِّجةً، كما هو مُتأجِّج وجهُه، وملتهبٌ قلبُه على الدعاة، ومَن وَهبوا أنفسهم لله، ولبيان شرعِه وجلالِ دِينِه للناس. قوله - تعالى -: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ ورَد التعبيرُ هنا بالاسمِ الظاهرِ، دون التعويلِ على اسمها الحقيقي، وفيه كنايةٌ عن احتقارها، بعدَمِ إيراد اسمها، على شاكلة قولِ الهدهد الذي لم يُعجِبْه سلوكُ بلقيس في هذا الموطن، فقال محتقرًا لها، منكِّرًا اسمَها، مُتحدِّثًا عنها كأنها غائبةٌ نكرة لا شأنَ لها ولا قيمةَ: ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ﴾ [النمل: 23]، وصيغة المبالغة ﴿ حَمَّالَةَ ﴾ تُوحِي بكثرةِ أفعالها السيِّئة، وحملها المتكرِّر للأذى، والحطب كنايةٌ عن موصوف، وهو الأذى، والفتن، والتنقُّص، والازدراء، وكلُّ ما يمكن أنْ يُحتَطب، فيحتمل أنَّها تحمل الحطبَ على وجه الحقيقة، أو أنَّ الحطب سببٌ في الإشعال والإحراقِ، فهو مجازٌ مرسل علاقتُه اعتبارُ ما كان، ونصبُ حمَّالة (وهو قراءة حفص)، فعلى الذمِّ، فهي مفعول بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه أذمُّ، أو ألعنُ، أو منصوبٌ على القطع من ﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾، واستعمالُ صيغةِ المبالغة يدلُّ على قدر ما بذلَتْه ضد الدعوة، وما احتملَتْه من آثامٍ وذنوب كثيرة، عُبِّرَ عنه بـ(حمالة) التي هي على وزن فَعَّالة، والإضافة هنا إضافةٌ لفظيَّة، وعلى الرفع في ﴿ حَمَّالَةَ ﴾ تكون ﴿ حَمَّالَةَ ﴾ خبرًا لامرأته؛ أي: إنها امرأةٌ سيِّئة تحملُ الشرَّ للناس، والحطبُ رمزُ الفتنة، والفتنة أشد من القتل. قوله - تعالى -: ﴿ فِي جِيدِهَا ﴾ فيه مجازٌ مرسَل علاقته الجزئيَّة؛ حيث أَطلق الجزء (الجيد)، وأراد الكلَّ، أي: النفسَ كلَّها؛ والجِيدُ للمرأة رمزُ جمالها وأنوثتها، وهي تتدلَّلُ به لابسةً فيه ما يجذبُ الرجال إليها، وهو مَثارُ إعجابٍ وفخارٍ بالنسبة لها، واستعمالُ الحرف ﴿ فِي ﴾ يدلُّ على استغراق الحبل في كلِّ عُنقها، لم يَترُك صغيرة ولا كبيرة إلا ولفَّها، ودار حولها حارقًا إيَّاها، مفتِّتًا لها، كما أنَّ هناك أسلوبَ قصرٍ، بتقديم ما حقُّه التأخير: ﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾، فقدَّم الخبر﴿ فِي جِيدِهَا ﴾ على المبتدأ ﴿ حَبْلٌ ﴾؛ ليُبرز - بجلاء وسرعة - عن مَكان وجود الحبل الملتفِّ من النار، أو الليف الحار، وتنكير ﴿ حَبْلٌ ﴾ لبَيان كِبَره، ومَتانة فتله، وعِظَمه، وضَخامته، فهو تنكيرٌ للتعظيم، ثم وُصِفَبأنَّه من مسدٍ، قال بعض أهل العلم: في عنقها حبلٌ من نار جهنم، تُرفَع به إلى شَفِيرها، ثم يُرْمى بها إلى أسفلها، ثم يتتابَعُ ذلك دائمًا، وربما كان وَجْهُ هذا القول: ﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ ﴾ على أنَّه جملة اسميَّة استئنافيَّة، أو على أنه جملة وقعت خبرًا عن (امرأته)؛ فقد أخبر عنها بهذه الجملة ذات التقديم والتأخير، وفيه كنايةٌ عن العاقبة السيِّئة لكل من سوَّلت له نفسُه إيذاءَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو أحدٍ من الدعاة، كما أنَّ فيها تطمينًا لكلِّ داعيةٍ أنَّ اللهَ معه، ولا يتركه، بل هو من وَرائه يُؤيِّده، ويقوِّيه، ويُعينه، ويرعاه، وكنايةٌ عن صفة هي إدخال السكينة والهدوء على أفئدة الدعاة؛ ليستمرُّوا في دعوتهم، واثقين من معية الله، ورعايته لمسيرتهم وطريقهم. والسورة كلُّها تأييدٌ لرسول الله بوصفه الداعيةَ الأولَ، ولكلِّ مَن يسير على نهجه؛ لأنه مُقْتدٍ به، مُؤْتَسٍ بسيرته؛ فالقارئ لهذه السورة يَشعُر بالراحة والسكينة، خُصوصًا إذا كان داعيةً، قد حَمَلَ هَمَّ دعوتِه في صدره، ومشى بها، وعاش لها، ونذر أنفاسه لنشرها، والذودِ عنها، كما أنَّ فيها تَشفِّيًا بنهاية الظالمين، وعاقبة الفاسقين، إنَّه الخسران المبين، والبَوار التامُّ لكلِّ من عاند الله، وآذى رسوله، أو أحدًا من أوليائه، وهو يذكرنا بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ربِّه: ((من عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب))، نسأل الله - تعالى - أن يمكِّن لعباده، ولدينه ولأوليائه، وأن يكتب لهم التوفيق، والسداد، والتمكين، والثبات، وأن يخذلَ كلَّ من خذل الدين، وصدَّ عن سبيل الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. د. جمال عبدالعزيز أحمد
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأسد الأبيض النادر | سلطان الزين | آلحيوآنآت والنباتات وغرآئب آلمخلوقآت | 11 | 26-Sep-2024 05:52 PM |
نظام "الأسد" يقتل 4 أطفال من عائلة واحدة في بلدة بريف حماة | سلطان الزين | • •₪• أخبار وأحداث العالم •₪•• | 7 | 16-Feb-2024 05:20 PM |
حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ودلالات غزوة حمراء الأسد | نزف القلم | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 8 | 26-Dec-2023 07:41 PM |
قراءة يقشعر لها البدن من سورة النحل للمقرئ خالد الجليل | نزف القلم | صوتيات أحاسيس الأسلاميه | 11 | 19-Nov-2023 06:52 PM |
أنا الأسد ب هيبته.. | Faisal | ريشة ابداع بتصاميم الأعضاء الحصرية | 10 | 21-Nov-2021 01:56 PM |