مرَّ رجلٌ بالقرب من بائع خضار ، فراح يسأله ، وأخذا في الحديث ، وفي تلك الأثناء مرَّت امرأةٌ تَحمِل صرَّة كبيرة ، وكادت تَسقُط لثقلِ هذه الصرَّة ، فلما رآها الرجل سألها: من أين هي قادمة؟ فردَّتْ - بصوتٍ خافتٍ ، وهي تلتقط أنفاسها -: من مملكةٍ بعيدة تدعى مملكة الدراق ، فأخذ الرجل منها الصرَّة ، وسألها: إلى أين ستذهبين؟ فردَّت : ليس لي مكانٌ أَبِيتُ فيه ؛ فأنا لستُ إلا جارية لا تملك مالاً ولا مأوى، وأنا هنا في انتظار أخي حتى يأخذنِي ، ولا أعلم متى سيعود؟ فقال الرجل : إذًا هلاَّ تعودين معي إلى منزلي ، وسأعرفكِ بزوجتي حتى عودة أخيك؟ فوافقتِ المرأةُ، وشكرتِ الرجلَ على مروءته ، وأخذها معه ، وعرَّفها على زوجته ؛ فأحبتِ زوجتُه تلك المرأة ، وتعلَّقتْ بها، وكانتْ تُكرِمها أشدَّ الكرم.
وبعد أسبوعٍ طرق بابَ الرجل زائرٌ ، وكان هو أخَ المرأةِ ، وقال للرجل بأسفٍ: والله - يا أخي - لوكان معي مالٌ لأعطيتُك إيَّاه كله ، ولكن ما عساي غير الشكر ، فردَّ الرجل: لا بأس ؛ فأختُكَ مثل أختي ، وكان واجبًا عليَّ إكرامُها، وأخرج من جيبه بعضَ المال وقدَّمه لأخ المرأة ، ولكنه رفضه ، وشكر الرجل ، وذهب هو وأخته، وقبل ذهابه سأله عن اسمه ، فأجاب الرجل قائلاً : عمر بن ميسرة ، ومضى الأخ في طريقه.
وبعد عام جاء للرجلِ رسولٌ من مملكة الدراق يحمل له رسالة جاء فيها: إن الملك يُقرِئك السلام ، ويستدعيك للقصر الليلةَ في تمام السابعة مساءً ؛ فتعجَّب الرجل ؛ لأنه لم يكن هناك أي صلةٍ تَربِطه بالملك ، وظنَّ أنه سيسجن فهدَّأتْه زوجتُه ، وقالت له : إن شاء الله خير.
وعند السابعة خرج الرجل من منزله قاصدًا القصر ، وعندما وصل تفاجأ بالمرأةِ وأخيها جالسَين على العرش ، وأمامهما الكثير من الأموال والذهب ، واتَّضح أنهما مَلِكا مملكة الدراق ، وكانا يبحثان عن رجلٍ ذي مروءة ، وكان هو هذا الرجل، فقالا له: خُذْ هذا الذهب ، وهذه الأموال التي أمامك ، وبلِّغ تحياتنا لزوجتك ، ولا تنسَ أن تُكرِمها وتُسعدها ؛ فهي أغلى ما تَملِك ، ولا تجعل المال ينسيك ربَّك ، وحافظ على مروءتك حتى ترفعَك للأمام ؛ فخرج الرجل من القصر وهو مسرور ، وشكر الله، ثم الملكينِ ، وعاش وزوجته في سلام.