|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
||||||||
|
||||||||
ونكتب ما قدموا وآثارهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ونكتب ما قدموا وآثارهم آية مرعبة لمن تأملها مخيفة لمن استشعر معانيها، وفهم مدلولها؛ فهي تعلمنا أن أعمال العباد محسوبة محصاة في كتاب، وأن آثارهم التي تركوها بعد موتهم يحاسبون عليهم، فإن كانت خيرًا فحسنات مستمرة بعد مماته، وإن كانت شرًّا فسيئات تصله إلى قبره بعد موته؛ ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].. فكل ما نقوله أو نعمله في حياتنا ويبقى ويستمر بعد وفاتنا نحن محاسبون عليه، مجزيون به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]؛ يقول مجاهد رحمه الله في تفسيرها: أي ما أورثوا من الضلالة. ويقول ابن سعدي في تأويل هذه الآية: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى... ﴾؛ أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال، ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ﴾ من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، ﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرًا، من صلاةٍ أو زكاةٍ أو صدقةٍ أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدًا، أو محلًا من المحال التي ينتفع بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر، ولهذا: « من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، وهذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك، ونزول درجة الداعي إلى الشر الإمامِ فيه، وأنه أسفل الخليقة، وأشدهم جرمًا، وأعظمهم إثمًا). أ. هـ وعن سعيد بن جبير رحمه الله في قوله: ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾؛ يعني: ما أثروا. يقول: ما سنوا من سنة، فعمل بها قوم من بعد موتهم، فإن كان خيرًا فله مثل أجورهم، لا ينقص من أجر من عمله شيئًا، وإن كانت شرًّا فعليه مثل أوزارهم، ولا ينقص من أوزار من عمله شيئًا). فأعمال العباد محصية مدونة، يجازى بما عمل يوم القيامة، ويجري عليه إثر تلك الأعمال بعد موته، فإن كانت أعمال تدعوا للخير وتبين الحق، وينتفع الناس بها كانت حسنات تجري له وهو في قبره، وإلى هذا المعنى جاءت كثير من الأحاديث الشريفة، منها: قال عليه الصلاة والسلام: « سبع يجري للعبد أجرهنَّ وهو في قبره بعد موته: من علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته». فمن توفيق الله للعبد أن يوفقه لأن يستثمر لما بعد موته فلا ينقطع عنه الأجر ولا يحرم من الحسنات، فالكيس الذي يعمل لما بعد الموت، عندما ينتقل من دار العمل إلى دار الحساب، حيث يتمنى ركعة أو صدقة فلا يستطيع أن يفعلها. فيا أخي وأختي قبل أن تنشر مقطعًا أو تسجيلا انظر إليه وتأمل فيه، أين يكون يوم القيامة، هل في ميزان حسناتك أو ميزان سيئاتك، فإن كان خيرًا فانشره وأن كان شرًّا فأحجم، وخصوصا في هذا الزمن الذي يتسابق فيه الناس على نشر مقاطع لهم والتفاخر بعدد المتابعين لهم الذين يحاولون نيل إعجابه واستمرار متابعتهم لهم، فينشرون كل ما وقع بأيديهم لا يسألون أهو حرام أم لا ثم يرجعون إلى بيوتهم يتفاخرون فيما بينهم أن الفيديو الذي نشره فلان، أو صورته المشهورة بنت فلان قد نال إعجاب ملايين الناس، وحاز على رضاهم، وما علم هذا المسكين وهذه المسكينة أن هؤلاء سيأتون يوم القيامة ويعطون من حسناتهم، فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم ووضعت عليهم، فيهلكون، وليعلم الجميع أن الحساب شديد، وأن العذاب أليم، فكيف بمن يأتي وعلى ظهره أوزار غيره يجرها، ويحاسب عليها … نسأل الله السلامة ..
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|