|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||
|
|||||||
قاع البحر في آيات القرآن
مد وإنقاص: حينما تُمد الأرض من قيعان المحيطات، يتسع البحر، فيتباعَدُ شاطئاه بنفس المعدل الذي يفتح به قاع البحر من منتصفه، ولكن التباعد يتم بقدر، بحيث إن الجزء المتسع عند منتصف قيعان البحار ينقُص جزءٌ معادِل له عند حواف الألواح المتباعدة، فيغوص الجزء عند أطراف أو حواف قطع الأرض المتباعدة، مكوِّنًا غورًا عميقًا يسمي بنطاق الانضواء؛ فالجزء المتسع من عند منتصف قاع البحر الأحمر يُقابِلُه جزءٌ ينقص عند الحواف الشرقية والشمالية لشبه الجزيرة العربية.
توازن عجيب مدهش، أشار إليه القرآن في الكثير من الآيات التي تربط بين تلازم مدِّ الأرض وجعل وإلقاء الرواسي، وإنقاص الأرض من أطرافها، قبل أن تدخل تلك المفرداتُ قاموسَ عِلمِ الأرض بأكثر من ألف سنة. والجزء الذي ينقص من الأرض من عند أطراف أو حواف قطع الأرض، يهبط عائدًا إلى جوف الأرض لينصهر، ثم يعود صاعدًا إلى قاع البحر من عند منتصفه. وهكذا يتوالى المد والإنقاص في دورة عجيبة. ولعل من وجهة نظري أن نطاقات الانضواء تمثِّل برزخًا بين البحار المتجاورة، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ [الرحمن: 19، 20]. أغوار المحيط واتزان الأرض تمد الأرض باستمرار، فهل مدُّ الأرض يحدث بقدر؟ وهل هناك شيء ما يعادل هذا التمدُّدَ ويمنع الأرض من أن تمور ويجعلها تقر؟ بالتأكيد لا تُمد الأرض عشوائيًّا، والدليل على ذلك يأتي من قاع البحر نفسِه، خاصة عند الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية وفي غرب المحيط الهادي؛ حيث يهبط قاع البحر فجأة مكوِّنًا أغوارًا محيطية (Oceanic Trenches) على هيئة قيعان عميقة ضيقة طويلة، تقع عند حواف القارات وتوازيها، وتوجد أيضًا موازية للجزر القوسية. وتوجد تلك الأغوار عند حواف الألواح المتقاربة عند نطاقات الانضواء (Subduction zones) في أماكن تصادم ألواح الغلاف الصخري. هناك يسحب أحد الألواح ليهبط تحت اللوح المجاور له، ويغوص في وشاح الأرض، وتكثُر الزلازل والبراكين عند تلك النطاقات. وفي الأغوار البحرية، يقوم اللوح الهابط بسحب قاع البحر، وبلغة القرآن الكريم تمد الأرض من عند قاع البحر المسجور، وتنقص من أطرافها، وعند الأطراف تلقي الرواسي في الأرض. يا له من إعجاز تنطق به آيات القرآن الكريم! وصدق الله العليم الذي أحاط بكل شيء علمًا إذ يقول: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]. ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾ [الحجر: 19]. ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 44]. جانب البر الآمن والخسيف: تعرف الحواف القارية (Continental margins) على أنها أقاليم الاتصال بين القشرة القارية والقشرة المحيطية، وتنقسم إلى نوعين: الحواف الآمنة والحواف النشطة، وتتميز الحواف الآمنة (Passive) بقلة النشاط الحركيِّ، علاوة على الاتصال المحكم بين القشرتين. ومن أمثلة النوع الأول الحواف القارية لجانبَي المحيط الأطلسي، وعلي النقيض من ذلك، فإن الحواف القارية النَّشِطة (Active) تتميز بأن لوح القشرة المحيطيَّة يسحب تحت لوح القشرة القارية، حيث يتكون نطاق الانضواء (Subduction Zone) عند أو بالقرب من الحافة، وعندئذٍ تهبطُ القشرة المحيطيَّة مئات الكيلو مترات بميل تحت القارة، ومن أمثلة النوع النشطِ الساحلُ الغربي لأمريكا الشمالية. ويتميز النوع الثاني من الحواف القارية بوجود الأغوار المحيطيَّة (Trenches)، ويمثِّل غور ماريانا (Mariana) الموجود شمال غنيا الجديدة (New Guinea) في جنوب المحيط الهادي أعمقَ مكان على الأرض، حيث يبلغ عمقُه 11 كم تقريبًا تحت مستوى سطح البحر، أما بقية الأغوار المحيطية، فإن عمقها يتراوح بين 8 - 10 كم، وتتكوَّن الأغوار كما قلنا عند نطاقات الانضواء، أو في وسط أحواض المحيطات عند حواف الألواح المتقاربة. ولقد ذكرنا الحواف الآمنة؛ لنوضِّح إعجازًا علميًّا أشار إليه القرآنُ الكريم إشارة بليغة دقيقة، حيث عبَّر عنها بجانب البَرِّ في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ [الإسراء: 67 - 69]. وقد قال المفسِّرون في ﴿ جَانِبَ الْبَرِّ ﴾: ناحية الأرض، وسماه جانبًا؛ لأنه يصير بعد الخسف جانبًا، وأيضًا فإن البحر جانب والبَر جانب، وقيل: إنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البر، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر، فحذَّرهم ما أَمِنُوهُ من البَرِّ، كما حذَّرهم ما أَمِنوه من البحر (القرطبي. المجلد الخامس. ص189). ولكي نفهم أن المقصود من جانب البرِّ هو الحافة القارية التي ذكرناها من قبل، يلزم تدبُّر الآية السابقة لآية جانب البر من نفس السورة، وكذلك الآيتين التاليتين لها؛ حتى تكتمل الصورة، ويشير السياق إلى أن الفُلْكَ ومن عليها في البحر إنما تسير بلطف ولين في عمق البحر بقدرة الله، فإذا مسَّهم الضُّرُّ فلا ملجأ لهم إلا الله، الذي يُخرِجُهم وحده إلى جانب الأمان (إلى جانب البر)؛ أي: إلى المياه الضحلة بالقرب من الساحل، فإنْ أَمِنوا مَكْرَ الله لجحودهم النعمة، فهو قادر على أن يحول الحافة الآمنة إلى غور عميق نتيجة خسف جانب البر، أو يُعيدهم إلى حيث كانوا في البحر العميق، فتُغرِقهم الريحُ الشديدة بكفرهم. د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
على شط البحر | ابو صالح | نآي شاعر ( من قلم العضو سبق نشره) | 14 | 30-Dec-2023 06:11 PM |
تأملات في آيات من القرآن الكريم - سورة النحل | نزف القلم | أحاسيس القران وعلومه | 6 | 13-Nov-2023 04:39 PM |
تأملات في آيات من القرآن الكريم (سورة الإسراء) | نزف القلم | أحاسيس القران وعلومه | 8 | 13-Nov-2023 04:38 PM |
تأملات في آيات من القرآن الكريم (سورة الكهف) | نزف القلم | أحاسيس القران وعلومه | 10 | 13-Nov-2023 04:38 PM |
زبد البحر | وطن عمري | نفحات ايمانيه | 21 | 29-Aug-2023 03:41 PM |