|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||
|
|||||||
علوم سورة عبس وسورة التكوير / فريق المسك
علوم سورة عبس وسورة التكوير
الحلقة 174 ضيف البرنامج في حلقته رقم (174) يوم الخميس 21 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم الخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقاً. وموضوع الحلقة هو: علوم سورة عبس وسورة التكوير علوم سورة عبس د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذا المجلس القرآني وفي برنامجكم اليومي التفسير المباشر الذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استوديوهات قناة دليل الفضائية بمدينة الرياض. اليوم بإذن الله تعالى سوف نتناول سورتين السورة الأولى هي سورة عبس سنأخذها إن شاء الله في الفاصل الأول وسورة التكوير في الفاصل الثاني من الحلقة إن شاء الله تعالى. باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون أرحب بضيفي وشيخي وأستاذي العزيز فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً والخبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية بالرياض حالياً فحياكم الله شيخنا وأهلاً وسهلاً بك والحمد لله على السلامة، كنت في مكة. د. مسلم: بارك الله فيك. د. الشهري: حتى نستفيد من الوقت نريد أن نبدأ بسورة عبس كما تعودنا في الحلقات نتحدث عن اسم السورة، عن محورها الأساسي وأعتقد في سورة عبس هناك سبب للنزول نتطرق إليه إن شاء الله. د. مسلم: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. سورة عبس لها هذا الاسم الوحيد الذي عُرِفت به وهي أول كلمة في السورة وإذا سميت السورة بأول كلمة فيها لا تحتاج إلى التوقيف ولذلك كانت متداولة بين الصحابة بهذا الاسم. وقت نزول هذه السورة في المرحلة المكية الثانية، المرحلة الأولى كانت الدعوة سرّية ثم عندما نزل (وأنذر عشيرتك الأقربين) بدأ الرسول بدعوة الناس الذين حوله جهاراً، ثم تأتي المراحل الأخرى. فهي في المرحلة الثانية عندما جهر رسول الله بالدعوة وبدأ يتعرض لقريش وخاصة لكبارهم وزعمائهم يعرض عليهم الدعوة حتى يؤمنوا به. في حادثة الرسول رأى بعض زعماء قريش قيل عتبة بن ربيعة وقيل أبو جهل وقيل العباس بن عبد المطلب وغيرهم من كبار قريش فالتفت إليهم يدعوهم ووجد كأنهم يستمعون إليه فانشغل بهم فجاء عبد الله بن أم مكتوم وهو من المؤمنين وكان كفيفاً ولم ير انشغال رسول الله بهؤلاء فعندما سمع صوت رسول الله جاء إليه يقول له يا محمد علّمني مما علّمك الله، يريد الاستزادة في العلم، فرسول الله كطبيعة بشرية - وهذه كل الدعاة يحصل بينهم - الحرص على كبار القوم، زعماء القوم، الأغنبياء، لأن بدخولهم في الاسلام أو في الدعوة يدخل أتباعهم فيكون مكسباً للدعوة. فرسول الله كأنه قال في نفسه ليس الوقت الآن، فانصرف عن عبد الله بن أم مكتوم والتفت إلى القوم وهو يدعوهم، فعاتبه ربه في ذلك. ولكن كما قلنا في مرات سابقة عتاب رسول الله عتاب رقيق دائماً فجاءت الصيغة بصيغة الماضي ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ كأن الحديث عن شخص غريب غائبد. د. الشهري: ولم يقل: عبست وتوليتد. مسلم: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾ ثم ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾ جاء الخطاب. فخفّة انصراف العتاب المباشر انصرف عن رسول الله بهذا الأسلوب اللطيف. د. الشهري: وهذا يسمونه الالتفات من الغيبة إلى الحضور. د. مسلم: نعم، من الغيبة إلى الحضور. د. الشهري: إذن هذا هو سبب نزول سورة عبس. د. مسلم: ولذلك كان رسول الله يهتم بعبد الله بن أم مكتوب فيما بعد ويرحّب به "مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي" وفي المدينة المنورة مرتين ولّاه أمر المدينة، كان يخرج في غزوات فيوليه على المدينة ويهتم به. د. الشهري: محور سورة عبس، ما هو المحور الرئيسي؟ د. مسلم: المحور الرئيسية هو حقيقة هؤلاء الكُبراء الذين تكبروا وأعرضوا عن دعوة الله كانت قضية العتاب وهذه الحادثة مدخلاً لتذكير هؤلاء، يعني المدخل -هذا مهم أيضاً ويجب أن نقف عنده قليلاً - أن هذا القرآن من أراد أن يتدبره وأن يتّبعه منّة الله على البشر أن يهديهم للإيمان بهذا القرآن، ليس لأحد منّة على هذا الدين، على الإسلام، على القرآن. فهؤلاء عندما يُعرضون يعرضون عن فلاحهم، عن سعادتهم في الدنيا والآخرة ولذلك في آيات كثيرة ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 28، 29] يا محمد أنت مهمتك التبليغ والدعوة أما من آمن، من لم يؤمن، إيمانهم بالقرآن الكريم نجاتهم من النار ولذلك القرآن سعادتهم، في القرآن فلاحهم، سيادتهم، عزّتهم في الدنيا والآخرة فهؤلاء إذا أعرضوا لا تلتفت إليهم ولا تحرص على هدايتهم ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6] تقتل نفسك؟!! أنت عليك البلاغ وعلى الله أن يوفقهم للهداية أو يمنع عنهم هذه الهداية. ثم التفت إلى هؤلاء ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس: 17] وهذا المقطع الثاني، ما الذي يحمله على أن يتكبّر على خالقه ويرفض دعوته ويرفض قرآنه وحيه المنزّل الذي كانوا يقرّون في قرارة أنفسهم أنه حقٌ منزّل من عند الله ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس: 17 - 19] لو نظر الإنسان إلى حياته لو نظر إلى أصل خلقة ولادته نطفة قذرة إذا وقعت على ثوبه يحاول أن يغسلها يخجل منها، أنت مخلوق من هذه النطفة، وهل أحد يُنكر هذا الشيء؟! هذه حقيقة كل الناس. بعد ذلك ﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾ [عبس: 20] السبيل الذي خرج منه مكان قذر، بعد ذلك نشأته، استمرار حياته في الدنيا، لو مُنِع منه الطعام الذي هيأه الله مات، لو منع منه الماء مات، لو منع منه الهواء مات، هل هو يوفر هذه الأمور لنفسه؟! أبداً، لا له دخل في خلقه ولا في خروجه ولا في نشأته واستمرار حياته ثم يتكبر على ربه خالق السموات والأرض ويرفض دعوته ويكذِّب نبيه؟! ما أكفره!! (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)!!!. بعد هذه الأمور مصيره إلى أين؟ لو الإنسان وجّه ثلاثة أسئلة لنفسه وأمعن في التفكير فيها ووقف عندها غالباً يهتدي للهداية بإذنه تعالى. السؤال الأول: مَن خلقني؟ السؤال الثاني: لِمَ خُلِقت؟ السؤال الثالث: إلى أين المصير؟ لو أمعن النظر هل أنا خلقت نفسي؟ لا، لماذا خُلِقت؟ هل مثل الدوابّ يأكل الإنسان ويعيش وبعد ذلك؟! أنت لك مهمة في هذه الحياة أنت أكرم من أن تكون مثل الدوابّ! ثم المصير بعد الموت، الإنسان كريم على الله ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] خُلِق لمهمة عظيمة، مصيره إلى أين؟ هكذا بمجرد أن نموت انتهى الأمر؟! فلو فكر الإنسان ووجه لنفسه هذه الأسئلة الثلاثة لعلم أن هنالك مهمة عظيمة. د. الشهري: وأجوبتها كلها موجودة في القرآن. إذن نقول أن محور سورة عبس هو. د. مسلم: التذكيرمن خلال النشأة والمصير، التذكير بآيات الله في القرآن الكريم من خلال نشأته ومصيره في الآخرة. د. الشهري: هل يمكن الحديث عن المناسبات بين المقاطع؟ د. مسلم: نعم، هي كل واحدة تؤدي إلى الثانية، يعني المناسبة بين الافتتاحية والخاتمة في السورة ذُكر فريقان الفريق المهتدي متمثلاً بعبد الله بن أم مكتوم يريد الاستزادة من العلم والهداية والفريق الثاني الفريق المتجبِّر المتكبِّر على الله الذي لا يرفع رأساً بذكر الله وبالقرآن الكريم. وختمت بنفس الفريقين آخر السورة فريقان ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾ [عبس: 38 - 42] الفريق الثاني فافتتحت بفريقين واختتمت بفريقين. طبعاً عندما وجّه الرابط بين المقطع الأول والمقطع الثاني ما الداعي لاستكباركم وإعراضكم عن دعوة الله وأنتم هكذا حقيقتكم وهذا مصيركم؟!! هناك ترابط واضح جداً بين المقاطع. د. الشهري: في قوله ﴿ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾ [عبس: 5، 6] ما معنى تصدّى؟ د. مسلم: أنت تتعرض له، تعرض نفسك عليك، تواجهه، تأتيه من اليمين، تأتيه من الشمال حتى إذا أراد أن ينصرف تقف أمامه، هذه أنواع من التصدي حتى يلفت أنظارهم إلى دعوته لعلهم يسمعون. طبعاً في هذه المرحلة الرسول كان حريصاً بشتى الأساليب، دعوا مرة إلى وليمة، أقرباؤه وأصدقاؤه دعوا إلى وليمة وعرض عليهم الأمر، مرة دُعي رسول الله إلى وليمة فقال لصاحب الوليمة لا آكل من طعامك حتى تستجيب لي، أظنه أمية بن خلف وكان عند العرب إذا واحد جلس على الطعام ولم يأكل منه وله حاجة من العار ألا تستجيب حاجته ويمتنع عن طعامك، فقال له سأُلبي طلبك، كُلْ، فأكل رسول الله فبعد ذلك قال: أن تؤمن بي، فأعطاه كلمته، فعندما الشقي الثاني صاحبه أبو جهل سمع بذلك فغضب منه وقال وجهي من وجهك حرام حتى تكفر بمحمد وتذهب تبصق في وجه والعياذ بالله، فكان شقياً والأشقياء دائماً ولذلك الصاحب ساحب، فهذه خطيرة جداً. د. الشهري: سؤال دائماً يُسأل في سورة عبس في قوله﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ [عبس: 26 - 31] ويذكرون قصة أبي بكر الصديق عندما سُئل عن هذه الآية وعن (أبّا) فقال أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني. د. مسلم: هذه من الكلمات التي لم تكن متداولة كثيراً ولكن المفسرون قالوا بعدما تبين في السياق يدل أنه ذكر طعام البشر الإنسان وطعام الحيوان، القضب قد تكون مشتركة بين الإنسان والحيوان أما الأبّ قالوا هي الأعشاب التي تأكلها الدواب ولذا جاءت ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [النازعات: 33] الحقيقة أصل الأعشاب والفاكهة والحبوب هذه طعام الأصل في تكوين البشري منها وحتى بهيمة الأنعام أكلها من هذه الأعشاب ومن هذه الحبوب ثم تكون بهيمة الأنعام أيضاً عاملاً مساعداً في توفير الغذاء للبشر فكلها تعود إلى البشر. د. الشهري: هل يمكن قبل الفاصل أن نتوقف عند أبرز هداية في سورة عبس. د. مسلم: أنا أقول أبرز هداية وهذه يمكن أن نربطها بحياة الدعاة وحياتنا الآن: حرص الدعاة دائماً على رؤوس القوم وانخداعهم كثيراً باستجابة بعضهم. الآن نحن نعايش هذا الواقع في سوريا، في الثورة المباركة في سوريا الآن تحدث انشقاقات، انشقاق الوزير ورئيس الوزراء واللواء والعميد والقائد في الجيش وغيرهم، أنا أحذِّر إخواني من الاغترار بهذه المناصب لا يحمي الدعوة ولا يحملها إلا من عايشها، باع نفسه لله فلا يغتروا بهذه المناصب دائماً ولذلك الذي عاتب الله رسوله في عبد الله بن أم مكتوم وهو من ضعاف المسلمين وكفيف والفائدة المرجوة الظاهرية منه قد تكون قليلة، عاتب رسولَ الله كيف يترك هذا الضعيف ويلتفت إلى هؤلاء؟! نحن ينبغي دائماً من عاش للدعوة وعاش بها وضحّى في سبيلها أن يكون هو دائماً في المقدمة. هؤلاء الذين ضاق بهم الأمر ففرّوا بأنفسهم ثم يطالبون بتبوأ مناصب قيادية في الدعوة أو في الثورة، إياكم! إحذروا منهم! هؤلاء قد يأتي من يعرض عليهم منصباً أعلى أو مصلحة أكبر فيتركون الدعوة وأهلها! لأنهم ما تربّوا في الدعوة ولذلك هذه حياة ينبغي أن نستفيد من هذه الهدايات القرآنية التي هي خالدة مستمرة ليست فقط في عصر رسول الله بل إلى يوم القيامة مستمرة. د. الشهري: اللهم صلي وسلم عليه. حقيقة هذا من أبرز ما يمكن أن ينبّه إليه في هذه السورة. في قوله هنا ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ [عبس: 33] وأمس في سورة النازعات قال الله ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾ [النازعات: 34] ما الفرق بينهما؟ د. مسلم: اسم من أسماء يوم القيامة حسب أشياء أو حسب أحداث تقع في يوم القيامة فتسمى بها وتوصف بها. مثلاً سميت الحاقّة وسميت القارعة وسميت الطامّة وسميت الصاخّة لأنها باحداثها تصخّ الآذان تكاد الآذان تنفجر من قوة الصوت، لأنه عندما تجتمع هذه الأجرام السماوية الهائلة وتصطك ببعضها ﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الحاقة: 14] نحن عندما سيارتان تصطدمان بالقرب منا تحدثان صوتاً رهيباً، تنفجر قنبلة بقربنا فما بالك بهذه الأجرام عندما تصطك ببعضها وتزول هذه الجبال وتُدَكّ بها الأرض؟!! ولذلك تصخّ الآذان بأحداثها. د. الشهري: سبحان الله العظيم! هل ثمة هدايات أخرى في السورة يمكن أن نتوقف عندها؟ د. مسلم: نعم، قضية فرار الإنسان من أعزّ الناس إليه، تهويل هذا الأمر، الإنسان في الحالات العادية يقول أنا أضحي بنفسي في سبيل الحفاظ على عرضي، على مالي، على أولادي، على بيتي، إذا جاء من يعتدي عليه هكذا يقدّم نفسه أما عندما يصل الهلع والانزعاج الإنساني ألّا يلتفت إلا إلى نفسه﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37] أعزّ الناس إليه هؤلاء. والحقيقة أنا عايشت لحظة اللحظات ذكرتني بهذه الآيات، في سنة من السنوات كنا في جامعة الإمام في معسكر الجوّالة لخدمة الحجاج وكنت مشرفاً على المعسكر فحدث حريق في مِنى وسبحان الله انفجارات قناني الغاز في الخيام واشتعلت حرائق هنا وهناك وبدأ الناس يفرون من خيمهم، بعدما هدأت الأوضاع وإذا بالناس يأتون واحد يقول أنا أضعت زوجتي، وآخر يقول تركت أولادي، فقلت سبحان الله! هذه في الدنيا وهناك مجال للإنسان أن يركض ويهرب وهناك من ينجدهم فما بالك يوم القيامة عندما لا يجد مفرّاً! أين المفر؟! لا وزر. د. الشهري: هنا سؤال دائماً يتكرر: في سورة عبس ذكر الله هذا المشهد، قضية الفرار ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37] ذكرها هنا وفي سورة المعارج ذكر شيئاً مقارباً في قوله ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 11 - 14]. د. مسلم: أحياناً يبدأ بالأحباب الذين يفرّ منهم بصورة تصاعدية وأحياناً بصورة تنازلية. د. الشهري: في قوله هنا ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 11 - 14]. د. مسلم: يفديهم ببنيه فقدّم أعزّ الناس إليه لشدة الهول خذوا ما تشاؤون. في الفِرار يكون من الأبعد، من أخيه، الأخ أبعد قليلاً والأبوين (أمه وأبيه) وصاحبته وبنيه فصار تدرج في النزول هناك قدّم الأحباب الألصق وهنا بدأ بالأبعد ثم إلى الأقرب. علوم سورة التكوير د. الشهري: وما زال حديثنا متصلاً حول سورة التكوير الآن نبدأ بها مع ضيفنا الدكتور مصطفى مسلم. دكتور الآن انتهينا من سورة عبس بقليل من الإيجاز ولعلنا إذا حدث سؤال عنها يمكننا أن نعود. سورة التكوير الآن هي السورة التي تلي سورة عبس اسم هذه السورة التكوير هل هذا هو الاسم التوقيفي لها؟ د. مسلم: نعم، هي معروفة باسم سورة التكوير ووقت نزولها مقارب لوقت نزول ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ [عبس: 1] لأنها كلها تتعلق بدعوة الكفار والمرحلة الثانية عندما كان يعرض رسول الله الدعوة نزلت الآيات القوية الشديدة الوقع على النفوس، لفت نظرهم إلى الكون وما يجري في الكون، من الذي هيأ هذا الكون بهذا النظام الدقيق؟ من الذي يحافظ عليه وإذا اراد أن يختل نظام هذا الكون جعله لا يقوم بهذا النظام فلفت نظرهم إلى الأشياء إلى الأجرام السماوية والأمور الكونية التي يشاهدونها وخاصة ما يدخل تحت حسِّهم فهذا كان في هذه المرحلة هي التي تهزهم والقَسَم بهذه الأمور الكونية. هذا كان الأسلوب القرآني المكي في المراحل الأولى في مرحلة الدعوة الأولى والثانية وهذه في الحقيقة عندما تهز مشاعر الشخص المخاطَب بأسلوب ما إما بأداة التنبيه إما بلفت نظرهم أو بتهديدهم، بوعيدهم أو بالقسم له على شيء معين يلتفت إليه ثم تلقي إليه الفكرة التي تريدها فيكون متحفزاً ويستقبل هذه الفكرة وتكون مؤثرة في نفسه، فهذا الأسلوب في أسلوب سورة التكوير ملاحظ. د. الشهري: موضوع سورة التكوير يا دكتور؟ د. مسلم: موضوع سورة التكوير هناك مقطعان المقطع الأول عرض أهوال يوم القيامة والمقطع الثاني الحديث عن الوحي المنزّل وعن رسول الله وعن واسطة الوحي جبريل، مقطعان. الحقيقة قد يقول قائل أن الوحي المنزّل هو طريق معرفتنا إلى أهوال يوم القيامة لأنه ذكرت هنا أحداث يوم القيامة اِثنا عشر حدثاً ستٌ منها في الدنيا قبل زوالها وستٌ منها بعد القيامة والبعث والحساب. د. الشهري: يعني نشير إليها الستة التي في الدنيا: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1 - 6]. د. مسلم: هذه كلها أمور مشاهدة في الدنيا قبل قيام الساعة. د. الشهري: الثانية قال ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]. د. مسلم: زوجت أي اجتمعت ببعضها النفوس زوجت مثيلاتها الصالحة وغير الصالحة اجتمعوا للحساب. د. الشهري: وهو معنى ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [الصافات: 22] أي أشباههم. د. مسلم: نعم على شاكلتهم أشباههم. د. الشهري: قال ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾ [التكوير: 8 - 13] هذه ست. د. مصطفى مسلم: هذه ست بعد البعث. د. الشهري: قال ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير: 14]. د. مصطفى مسلم: هذه المفروض طريق معرفة هذه الأشياء حتى هذه الأمور التي ستقع في الدنيا غيبية لا تقع الآن أمام نواظرنا فطريق معرفتها هو الوحي. قد يقول قائل ما الحكمة أنه تأخر الحديث عن الوحي وعن رسول الله وعن جبريل بينما قُدِّمت هذه الأحداث وطريق معرفتها هو الوحي؟! ما قدّم الوحي في الحديث؟! كما قلنا دائماً لفت النظر إلى الأحداث المشاهدة الأمور المحسوسة لتثير اِنتباههم وتثير عاطفتهم هذه الأمور المستغربة كيف ستحدث بعد ذلك بهذا جاءكم الوحي الصادق بهذه الأحداث عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام وملك الوحي الذي أنزل إليه، هنا في قضية الوحي ثلاث قضايا: 1. نفي الجنون عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. 2. وقضية القرآن ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [الحاقة: 40] نقله جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام. 3. الحديث عن جبريل. هؤلاء عندما كانوا يشاهدون ظاهرة الوحي، الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعاني من الوحي لأن عالم الغيب، هذا العالم الروحاني المطلق عندما يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تشتد الناحية الروحية فيه بحيث تكون هي الغالبة بحيث يكون في نوع من التقارب والتماثل بين حالة رسول الله الروحية وتلقي الوحي من جبريل وهو الروح كاملة فكان يشعر بصعوبة يتفصد جبينه عرقاً في اليوم الشاتي وكان أحياناً يسمع له خرير كخرير البَكْر من شدة الوحي فهؤلاء باعتبار الجهلة الذين ينظرون إليه يقولون هذا صرع هذا ما يقوله المستشرقون عندما يدرسون سيرة رسول الله. د. الشهري: عندما يتكلمون عن الوحي يقولون هذا صرع. د. مسلم: يقولون هذا خرق الجنون محمد مجنون ولكن ما فكروا أن لو هذا صرع وهو يغيب عن وعيه وبعد أن يستيقظ، يفيق يأتي بكلام معجز وبعد ذلك ترى الآيات الكريمة في مثل هذا في حالة الدفاع عن رسول الله ونفي تهمة الجنون غالباً ما يأتي بـ﴿ صَاحِبُكُمْ ﴾ ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير: 22] الصاحب لا يقول صاحبه إلا وهو مستمر معه فترة طويلة تعرف أوضاعه تعرف تصرفاته، مدى تفكيره، عقله، أموره ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ أربعين سنة أنتم تعاشرون محمداً عليه الصلاة والسلام وسميتموه الصادق الأمين وعندما يحكم في حكم كما في حادثة الحجر قبل البعثة وضع الحجر الأسود في مكانه كنتم كلكم رضيتم بحكمه ونِعْمَ الحُكم كان، وبين عشية وضحاها عندما أكرمه الله بالرسالة صرتم تقولون عنه مجنون وتقولون كاهن وساحر وشاعر!! أليس فيهم رجل رشيد يفكر عندما يُطلق هذا؟! ولذلك ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ في أكثر من آية. إذاً ليس بمجنون علاقة المجنون بالجن تلبُّس الشياطين وغيره أما علاقة محمد عليه الصلاة والسلام ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21] هذا جبريل مُطاع أمين قريبٌ من ربه مكانته كذا ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ [التكوير: 24] محمد صاحبكم لا يبخل في بذل كل شيء في تبليغكم هذه الدعوة وهذا القرآن الكريم الذي تلقاه من جبريل. ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [التكوير: 25] أنتم اعرضوا القرآن الكريم على ما تشاءون من أقوالكم على أقوال شعرائكم على أقوال كهنتكم، هذا قول كريم ليس من شأن الشيطان، عليه نور يهرب منه الشيطان لا يستطيع الشيطان أن يقوله. د. الشهري: هنا يا دكتور لماذا أطال في وصف جبريل هنا في قوله ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21]؟ وقد يسأل سائل كيف ينسب القرآن الكريم فيقول ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ هل هذا القرآن من قول جبريل أم هو مجرد مبلِّغ؟ د. مسلم: مبلِّغ ولكن عندما يقرأه على رسول الله على قلب رسول الله، ينزّل. د. الشهري: يعني نسبة تبليغ. د. مسلم: نسبة تبليغ مثل الرسول يبلغ فنقول قال محمد ويبلغ عن ربه كذا جبريل يأتي من اللوح المحفوظ يحمل القرآن إلى رسول الله فيمكن أن يُنسب، اُنظر ما قال محمد، يُنسب بحسب حالة التبليغ. د. الشهري: إطالة الوصف هنا في جبريل عندما قال ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21] فوصفه في ثلاث آيات ثم عندما جاء إلى النبي قال ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ في آية واحدة؟ د. مسلم: نفي الجنون عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنه يتلقاه من هذا الرسول الكريم لأن القضية قضية قطع الأصل قطع جذر الإتهام وأن هذا ليس له صلة بالشياطين ولا الشياطين لهم صلة عليه ولذلك فليس بمجنون وإنما يتلقاه من هذا الرسول الكريم لأن المناسبة تلقي رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا القرآن برسول كريم هذا مقامه وهذه مكانته عند ربه ولذلك فهو قول رسول كريم يتلقاه منه محمد عليه الصلاة والسلام. د. الشهري: ثم يقول ﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِي ﴾ الضمير هنا ﴿ رآه ﴾ يعود على من؟ د. مسلم: محمد رأى جبريل بالأفق المبين كما تدل حوادث السيرة رسول الله رأى جبريل على صورته الحقيقية مرتين مرة في بدايات الوحي والرسالة بعدما نزلت عليه سورة المزمل ومرة عندما أسري به إلى سدرة المنتهى رآه على صورته له ستمئة جناح وقد سد بجناحيه ما بين المشرق والمغرب طبعاً رؤيته في المرة الأولى كطبيعة بشرية فوجئ بهذا المنظر أخذته الرهبة منه فجثا على ركبتيه عندما ترى شيئاً لا تتوقعه ولا تتصوره وتراه أمامك هكذا ولكن في ليلة الإسراء والمعراج رآه وما تأثّر رسول الله كما تأثر أول مرة ﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾ يعني والله أعلم الحادثة الأولى التي نزلت قبل سورة الإسراء. د. الشهري: أنا سمعتك قلت (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أنك فسرت ضنين هنا ببخيل. د. مسلم: هناك قراءتان (ضنين) و (ظنين). د. الشهري: يعني بالضاد وبالظاء وقراءة حفص بالضاد. د. مسلم: بالضاد وهي الضنين بمعنى البخيل يعني كل ما يصل إليه يبلّغه لا يكتم شيئاً ويبلّغه ويضحي في سيل تبليغه كل شيء فلا يبخل بشيء في التلقي لا يكتم وفي بذل التبليغ لا يدّخر شيئاً في تبليغه. (بظنين) بالظاء أيضاً مناسب لهذا الأمر يعني عندما يتلقاه يتلقاه حقائق ما في ظنون ما في أوهام ما في شُبَه. د. الشهري: يعني ليس بمتهم في ما يبلغ به. د. مسلم: ليس متهماً في التلقي وليس هو شاكٌّ في ما يتلقاه أنه حقّ. د. الشهري: أذكر بمناسبة هذه الآيات يا دكتور في كتاب الكشاف للزمخشري أساء إساءة كبيرة في هذا الموضع عندما نظر إلى مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء فالمعتزلة يرون أن الملائكة أفضل من الأنبياء فعندما جاء إلى هذا الموضع قال اُنظروا كيف فضّل جبريل فقال ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21] فوصفه في ثلاث آيات ومدحه فلما جاء إلى النبي غاية ما مدحه به أن نفى عنه الجنون، طبعاً هذا سوء أدب من الزمخشري!. د. مسلم: في سورة عبس أيضاً أساء الزمخشري الأدب عندما قال (كلا) قال إنها كلمة ردع وزجر لمحمد. الحقيقة أن هؤلاء بعضهم عندما لا يكون عنده توقير لرسول الله نحن أُمرنا بتوقير رسول الله واحترامه والتأدب معه وعدم رفع الصوت أمامه وحتى قال العلماء حتى عند زيارة قبره الشريف لا يرفع الصوت أمامه يعني تأدب معه في حياته وفي مماته وإذا قيل قال رسول الله عليك أن تسكت لا تردّ يعني لا يجوز أن يقال ولو قال؟! أنا رأيي كذا، لا يجوز هذا! ولذلك بعضها أخطاء علماء وخاصة هؤلاء أصحاب البِدَع وتعظيم العقل المجرّد عن الناحية الربانية يقعون في مثل هذه الأمور. د. الشهري: شيخنا الحبيب سورة التكوير نحن الآن استعرضناها بشكل سريع نتوقف عند أبرز الهدايات فيما تبقى معنا من وقت الحلقة. د. مسلم: قبل ما نأتي إلى الهدايات الحقيقة لي وقفة صغيرة عند أقسام المقسم به﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [التكوير: 15 - 19] دائماً هناك صلة بين المقسَم به والمقسَم عليه فجاء القسم بأشياء كونية ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾ المفسرون اختلفوا أنا في رأيي أنها كلها تتعلق بأجرام سماوية ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾ وهي الكواكب قالوا لأنها تخنس في النهار تستتر وتظهر في الليل. ﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ أيضاً الكواكب أو النجوم التي التي تجري لها جريان. ﴿ الكُنّس ﴾ اِختلفوا فيها اختلافاً شديداً الحقيقة أنا قرأت لبعض الفلكيين المعاصرين يقول هنالك كواكب وهنالك نجوم تكنس السماء، كيف تكنسها؟ هناك انفجارات تحدث في الكواكب، ويوم القيامة مجموعتنا الشمسية قد تجمع الشمس والقمر وتفجر كلها وتصبح ذرات في الكون، ليس بالضرورة المجرات كلها تنفجر لكن مجموعتنا الشمسية من عشرين أو ثلاثين سنة أو أقل اِنفجرت مجموعة شمسية قال وصل ضوؤها إلينا خلال ستين سنة ضوئية يعني أنها انفجرت قبل ستين سنة وتلاشت وقد يكون عالم من العوالم التي كان فيها مخلوقات وانفجرت يعني الكون مليئ بالأجرام غير الكواكب المعروفة، الغبار الكوني وهذه لو تُرِكت الله من رحمته بالكون وبالمخلوقات وبالبشر وبغيرهم لو أنها تُرِكت لكان هناك خطورة كبيرة على حياتهم، يعني مثلا يقولون ستمر كويكبة صغيرة أو جرم سواء بقرب الأرض على مسافة كذا أهل الأرض يخشون يقول إذا ارتطم بالأرض يعني قد تحدث كوارث في الأرض. النيازك والأمور الأخرى التي تسقط على الأرض هذه كلها من هذه الأجرام المتفجرة. فيقولون هناك كواكب أو نجوم تكنس السماء كما تكنس المكنسة الأرض وتجمع الأوساخ فهذه مهمتها والله أعلم تكنس ﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ تكنس الكون من هذا الغبار من هذه الكويكبات وقد تؤديها إلى ما يسمى الثقوب السوداء. الثقوب السوداء إلى الآن اِحتار علم الفلك فيها يعني عندما تشفط الأجرام والكواكب ولا يُعرف لها مصير بعد ذلك يعني هذه الثقوب السوداء حقيقة فلكية مسلّم بها فأنا أقول والله أعلم ﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ أنها هذه الأجرام السماوية التي تكنس الكواكب والنجوم الله أعلم بأمورها. د. الشهري: هذه وقفة مع قضية القسم. د. مسلم: نعم قضية القسم بأجرام سماوية ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [التكوير: 15 - 18] يعني كأنه من أفق الغيب يأتي هذا الوحي ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ اُنظر إلى الانتقال: صبحٌ تنفّس، إشراقةٌ خرجت من الكون وهذا الوحي الذي جاء من هذا الرسول الكريم من علم الغيب جاءنا. د. الشهري: في قضية الشرط ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1 - 6] إذا إذا ثم يقول ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ جواب الشرط. د. مسلم: هذا هو الجواب عندما تحدث كل هذه الأشياء عندئذ تكشف الأمور وكل نفس تحاسب على ما قدمت في هذه الحياة. د. الشهري: هل من وقفات ومن هدايات يمكن أن نقف معها قبل نهاية الحلقة. د. مسلم: ذكر في قضية المناسبات في نفس السورة في إفتتاحيتها وفي نهايتها كلها قضايا تتعلق بقضة الربوبية يعني إذا الشمس كورت من الذي يكوّرها؟ يعني الله خلق هذا الكون وخلق مقومات بقائه واستمراره ومن هذه الأمور المتعلقة بحياتنا نحن سكان الأرض قضية الشمس وأشعتها وحياتنا قائمة على هذا الأمر من الذي أوجد هذا الشعاع؟ وإذا شاء كوّر أذهب بضوئها؟ فهو الله شاء هكذا أن يقدّر هذا الكون وينظّمه ثم ربطت هذه الأمور في آخر السورة بمشيئة الله (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) رب العالمين هو الذي خلق هذا الكون وهو الذي أنزل عليكم هذا القرآن الكريم وليس لكم من الأمر شيء هو الذي أوجد الكون هو الذي هيأ مقومات هذا الكون وإذا شاء سحب هذه المقومات ودمّر هذا الكون فهو الذي﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29] فكلها تتعلق بقضية الربوبية بداية السورة وخاتمتها.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
احتفالات الوطن عمة العالم عموم | السكب 12 | نآي شاعر ( من قلم العضو سبق نشره) | 9 | 28-Dec-2023 08:27 PM |
تأملات في سورة النساء (1) / فريق المسك | سحآب | أحاسيس القران وعلومه | 6 | 30-Nov-2023 09:59 PM |
نشأة علوم القرآن وتطورها | سلطان الزين | أحاسيس القران وعلومه | 12 | 21-Oct-2023 12:19 AM |