|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
الإهداءات | |
•₪• يحكى أن •₪• م ● هنا واحة تحتضن ما أعجبكم من القصص والروايات والكتب والمقالات المنقولة ( كتابية أو فيديوهات ) |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
فتافيت سكر
كنتُ غاضبةً جدًّا؛ كلُّ حواسِّي ثائرة، دائرة في عقلي حروب، منطلقة في الطريق كقذيفة عمياء، تمرُّ المَشاهد أمامي كشريط سينمائيٍّ سريع، مزدحِم بوجوه قبيحة، تُصرُّ جميعها على إلصاق أنوفها بعدسة التصوير، ثم تضحك ببلاهة، جاحظةَ الأعين و... تختفي فجأة.
أحسستُ أنَّ رأسي يدور، أو ربما كنتُ على حافَة الجنون، لطالما رعبتْني تلك الحافة، التي شدتني إليها منذ سنين، وفي كل مرة كنتُ أتراجع بقوة وثبات، لكنني هذه المرة، أشعر وكأن الحافة تتهاوى تحت قدميَّ بالفعل، والسقوط حادثٌ لا محالة. تتسابق أحجارُ الرصيف البيضاء والسوداء لتَلحَق بي، بينما تمُدُّ الشُّجيرات الصغيرة أعناقَها وتُشير إليَّ بإشاراتٍ ما، لكنني لم ألتفت إليها، فقد كنت متعجلةً للغاية، فما زالت أمامي رحلةٌ طويلة. أضواء إشارات المرور تتراقص بانتظام شديد، بينما تتجاهلُها السيارات، وتَخلُق لنفسها نظامًا من الفوضى في غاية الإتقان، وما زالت إشارات المرور لا تَمَلُّ أبدًا تبديل ألوانها. صُراخ أبواق السيارات الغاضبة يقتحِم رأسي، يكسر السلاسل ويُحطِّم كل ما يجده في جمجمتي العظمية المزدحِمة بالشقوق، لكنه - رغم كل شيء - يُطرِبني، كفاه أنه يطغى على أصوات أخرى تصرخ في ضميري. بينما خُطُواتي تتسارع، في إيقاع غاية في الدقة، هكذا يفعل الآلِيُّون، وكذا مَن باتتْ تستوي لديهم الأشياء، وكذا الذين غادرَتْ أرواحُهم الدافئة، وأنا كلُّهم معًا، فأستطيع أنْ أفعل ذلك بمهارة. انتشلَني من خواطري ارتطامةٌ قوية بامرأة، لا أعلم كيف حدث ذلك، لكنني ارتطمتُ، صرختُ وأنا أسقط، ثم اعتدلتُ ورفعتُ رأسي، فرأيتُني، نعم؛ هذا ما حدث بالضبط. وجدتُني أمامي، اتسعتْ عينايَ دهشةً، ورحتُ أَفرُكها بعنف، لكن لا فائدة، إنها أنا، تُحملِق فيَّ في دهشةٍ لا تقلُّ عن دهشتي. كانت أنا، ترتدي إيشاربًا عربيًّا أزرق، يتدلى منه كراتٌ مختلفة الألوان من الصوف، يشبه ذلك الذي ارتَدَتْه المِصريات في الحارات الشعبية، في منتصف القرن الماضي، وكذا سُترة بيضاء كلاسيكية، وتَنُّورة حمراء قصيرة منفوشة، بينما انسدلَ على كَتِفها فَرْوٌ أسود فاخر، وعلى الكَتِف الآخر وقف عُصفور مُلون يَرمُقني بغموض. لكن وجهها كان خاليًا تمامًا من المساحيق والأصباغ، على عكس ما تعودتُ مَظْهري. كان جوربها خفيفًا لامعًا أسود اللون، ينتهي في حذاء رياضيٍّ أخضر اللون، ذي كعبٍ عالٍ دقيق للغاية، وكانت تُمسِك في يدها سلة، بها إوَزَّة تصيح بلا انقطاع، وفي اليد الأخرى حقيبة بيضاء مُطرَّزة من ماركة عالمية. تأملتُ مظهرها بذُهُول، يستحيل أن تكون أنا، لكنها أنا! انفرجَتْ شفتايَ قليلًا لأتكلم، فانفرجتْ شفتاها بنفس المقدار في نفس اللحظة، تراجعتُ، أطبقتُ شفتيَّ، ففعلتْ مثلي. قامت من الأرض تَنفُض تَنُّورتها، أعادت الإوَزَّة إلى داخل السلة، رمقتْني بنظرة ساخرة، ومضتْ في طريقها. التفتُّ خلفي، ومددتُ يدي في الهواء كمن يحاول أنْ يمسك شيئًا ما، حاولتُ أن أنادي عليها - أو قُلْ: عليَّ - لكن صوتي خرج ضعيفًا مُحشرَجًا، ابتعدتْ بسرعة، لكن صياح الإوزة بدا لي مسموعًا وطاغيًا على ضوضاء الشارع، حتى بعد أن اختفت تمامًا عن ناظري. ارتكنتُ إلى الحائط، وقمتُ متحاملةً على نفسي، نفضتُ سِروالي ببطء، وربتُّ على رأسي. نظرتُ حولي بتمعُّن للمرة الأولى منذ خرجتُ من البيت، لم أعرف أين أنا بالضبط، يبدو أنني قد سِرتُ كثيرًا جدًّا، نظرتُ إلى الساعة، فاكتشفتُ أنَّ أكثر من خمس ساعات مضَتْ وأنا أسير. توقفتُ حائرة، والكل يمر حولي مُسرعًا في كل اتجاه، أصوات كثيرة متراكِبة، ورنين الهواتف المتداخل يُشبه كابوسًا بشعًا. حاولتُ أن أتَّخذ قراري بالعودة، لكن حاجزًا ضخمًا وقف بيني وبين قراري، أنهكتْني الحَيْرة، وراحت مطارق عملاقة تدقُّ رأسي المكسور. • كفتافيت سكَّر أنا، سقطَتْ في فنجان قهوة، موجودةٌ بالتأكيد، مؤثرةٌ ربما، لكنها ذائبة تائهة، عاجزة عن الانفصال. • إنْ عدتُ فسأظل حبيسة، وإن واصلتُ الهروب فلن أجد أبدًا باب المتاهة، فلماذا أتكلَّف مشقة العودة؟ هكذا حدَّثتُ نفسي. شَعَرتُ بارتياح لقراري الأخير، فواصلتُ السَّير، ودلفتُ إلى أول محل تِجاري رأيته، ابتسمتُ بثقة وأنا أرتدي أمام المرآة تنورةً حمراء وسُترة بيضاء، خرجتُ إلى الشارع بحماس؛ لأبحث عن إوَزَّة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|