|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
تفسير سورة النصر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ النَّصْرِ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ وَهِيَ ثَلاثُ ءَايَاتٍ وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ. الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف آية 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب آية 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى. بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: وَتُسَمَّى سُورَةَ التَّوْدِيعِ وَهِيَ ءَاخِرُ سَورَةٍ نَزَلَتْ جَمِيعًا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَءَاخِرُ ءَايَةٍ نَزَلَتْ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة ءاية 281] نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾ النَّصْرُ: الْعَوْنُ، وَأَمَّا الْفَتْحُ فَهُوَ فَتْحُ مَكَّةَ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَنَقَلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الرَّحْمٰنِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَتِ الْعَرَبُ: أَمَّا إِذَا ظَفَرَ مُحَمَّدٌ بِأَهْلِ الْحَرَمِ وَقَدْ أَجَارَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ فَلَيْسَ لَكُمْ بِهِ يَدَانِ - أَيْ طَاقَة - فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا» فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)﴾ أَيْ جَمَاعَاتٍ كَثِيرَةً فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ بَعْدَمَا كَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الإِسْلامِ وَاحِدًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيـمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: «هُمْ قَوْمُ هَذَا». فَائِدَةٌ قاَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: «قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَأَتْبَاعُ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ قَوْمِهِ لأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ أُضِيفَ فِيهِ قَوْمٌ إِلَى نَبِيٍّ أُرِيدَ بِهِ الأَتْبَاعُ» انْتَهَى كَلامُهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ - أَيْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ قَوْمُ هَذَا» -: «وَمَعْلُومٌ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ وَبَرَاهِينِ الأُصُولِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَوْلادِ أَبِي مُوسَى لَمْ يَرُدَّ عَلَى أَصْحَابِ الأَبَاطِيلِ وَلَمْ يُبْطِلْ شُبَهِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالأَضَالِيلِ بِحُجَجٍ قَاهِرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَدَلائِلَ بَاهِرَةٍ مِنَ الإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ إِلا الإِمَامَ أَبَا الْحَسَنِ الأَشْعَرِيَّ، وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى فَضِيلَةِ الإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاهَدَ أَعْدَاءَ الْحَقِّ وَقَمَعَهُمْ وَفَرَّقَ كَلِمَتَهُمْ وَبَدَّدَ جَمْعَهُمْ بِالْحُجَجِ الْقَاهِرَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ السَّمْعِيَّةِ» اهـ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْفَائِدَةَ الْجَلِيلَةَ لِمُنَاسَبَتِهَا هَذِهِ الآيَاتِ الشَّرِيفَة إِظْهَارًا وَإِشْهَارًا لِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالْحَافِظِ الْبَيْهَقِيِّ وَالْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ وَالْحَافِظِ مُحَمَّدِ مُرْتَضَى الزَّبِيدِيِّ شَارِحِ الْقَامُوسِ وَصَاحِبِ الإِتْحَافِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: «الْفَصْلُ الثَّانِي: إِذَا أُطْلِقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ الأَشْعَرِيَّةُ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ» اهـ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا: الصَّلاةُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالآخَرُ: التَّسْبِيحُ الْمَعْرُوفُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إِلَّا يَقُولُ فِيهَا «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأَوَّلُ الْقُرْءَانَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُذَمُّ كُلُّ تَأْوِيلٍ لِلْقُرْءَانِ لِمُجَرَّدِ لَفْظِ تَأْوِيلٍ، إِنَّمَا يُذَمُّ مَا كَانَ مِنْ تَأْوِيلاتِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ كَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ أَوَّلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [سُورَةَ الْقِيَامَة] قَالُوا مُنْتَظِرَةٌ ثَوَابَ رَبِّهَا، فَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الْمَذْمُومُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ حَيْثُ إِنَّ التَّأْوِيلَ غَيْرُ جَائِزٍ إِلا بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي «الْبُرْهَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْءَانِ» وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلُ الإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ حَيْثُ نَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ «الإِتْقَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْءَانِ» وَأَقَرَّهُ، وَقَالَ عَقِبَهُ: «وَحَسْبُكَ بِهَذَا الْكَلامِ مِنَ الإِمَامِ» هَذَا وَقَدْ عَقَدَ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ هَذَا فَصْلًا يَنْقُلُ فِيهِ بَعْضَ التَّأْوِيلاتِ لِبَعْضِ الْمُتَشَابِهَاتِ مِنَ الآيَاتِ مَعَ ذِكْرِ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ حَقِيقَتِهَا كَتَأْوِيلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ [سُورَةَ الْقَلَم 42] قَالَ: هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْفَوْقِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [سُورَةَ الأَنْعَام 18]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّنْ فَوْقِهِمْ﴾ [سُورَةَ النَّحْل 50] وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُلُوُّ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ وَقَدْ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف 127] وَلا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْعُلُوَّ الْمَكَانِيَّ» انْتَهَى كَلامُ الْحَافِظِ السُّيُوطِيِّ فِي كِتَابِهِ الإِتْقَان. وَيَدُلُّ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لا يُذَمُّ التَّأْوِيلُ لِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ فَهَذَا أَثَرُ بَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ»، وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: «رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ وَلَهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ تَأْوِيلَ الْقُرْءَانِ» وَلِأَحْمَدَ طَرِيقَانِ رِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ». قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: «وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ مِمَّا تَحَقَّقَ إِجَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لِمَا عُلِمَ مِنْ حَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ» اهـ. وَيَظْهَرُ مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي تَأَوُّلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [سُورَةَ الذَّارِيَات 47] قَالَ ﴿بِأَيْدٍ﴾: أَيْ بِقُوَّةٍ، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَلْحَةَ فِي صَحِيفَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾ [سُورَةَ النَّصْر 3] مَا نَصُّهُ: «تَوَّابٌ عَلَى الْعِبَادِ وَالتَّوَّابُ مِنَ الْعِبَادِ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ»، ثُمَّ رَوَى عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ، فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلا لِيُرِيَهُمْ قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ؟ فَقُلْتُ: لا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾ وَذَلِكَ عَلامَةُ أَجَلِكَ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾ [سُورَةَ النَّصْر 3] فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَقُولُ». قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: «وَفِيهِ - أَيِ الْحَدِيثِ - فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَتَأْثِيرٌ لإِجَابَةِ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ التَّأْوِيلَ وَيُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ جَوَازُ تَأْوِيلِ الْقُرْءَانِ بِمَا يُفْهَمُ مِنَ الإِشَارَاتِ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ رَسَخَتْ قَدَمُهُ فِي الْعِلْمِ، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَوْ فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ رَجُلا فِي الْقُرْءَانِ». انْتَهَى كَلامُ الْحَافِظِ فِي الْفَتْحِ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مقاصد سورة (ق) | نزف القلم | أحاسيس القران وعلومه | 14 | 16-Nov-2024 04:41 AM |
تفسير قوله تعالى « فويل للمصلين » | البارونه | أحاسيس القران وعلومه | 12 | 16-Nov-2024 04:37 AM |
تعرف على مصير نور الدين أمرابط مع النصر! | البارونه | صدى الملاعب | 8 | 08-Oct-2024 06:39 PM |
صاحب الأزمة الشهيرة.. النصر يستهد التعاقد مع لاعب الفيصلي | البارونه | صدى الملاعب | 8 | 04-Feb-2024 04:53 PM |
لا تكن مثل النسر | الباز الذهبي | •₪• زاوية حرة •₪• | 10 | 25-Dec-2023 07:21 PM |