الكل قائم بأمره خاضع لإرادته , لا يقدر أحد على رفض البعث كما لم يقدر أحد على رفض الولادة , فالحياة و الموت و البعث و النشور و الأرزاق و التوفيق و الابتلاء كل بقدره و قدرته و العبد مختار في كل هذا بين عبادته و شكره أو كفرانه و جحود نعمته .سبحانه له كمال الصفات و الفعال و النعوت و الجلال لا يماثله أحد من خلقه و لا يضاهيه أحد في أفعاله فالكل عبيد و هو وحده السيد القيوم , سيأتي يوم لا ريب يموت فيه الجميع حتى ملك الموت و يبقى الله وحده الحي الذي لا يموت ثم يأمر بقيام الجميع بين يديه ليكرم أهل طاعته و يهين أهل العناد و الاسكتبار و البغي و الطغيان .{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ الروم 25 - 27]قال السعدي في تفسيره :أي: ومن آياته العظيمة أن قامت السماوات والأرض واستقرتا وثبتتا بأمره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات والأرض أن تزولا، يقدر بها أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض إذا هم يخرجون { {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } }{ { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} } الكل خلقه ومماليكه المتصرف فيهم من غير منازع ولا معاون ولا معارض وكلهم قانتون لجلاله خاضعون لكماله.{ { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ } } أي: الإعادة للخلق بعد موتهم { { أَهْوَنُ عَلَيْهِ } } من ابتداء خلقهم وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول، فإذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به كانت قدرته على الإعادة التي أهون أولى وأولى.ولما ذكر من الآيات العظيمة ما به يعتبر المعتبرون ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون ذكر الأمر العظيم والمطلب الكبير فقال: { {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} } وهو كل صفة كمال، والكمال من تلك الصفة والمحبة والإنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين والذكر الجليل والعبادة منهم.
فالمثل الأعلى هو وصفه الأعلى وما ترتب عليه.ولهذا كان أهل العلم يستعملون في حق الباري قياس الأولى، فيقولون: كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها أحق بالاتصاف بها على وجه لا يشاركه فيها أحد، وكل نقص في المخلوق ينزه عنه فتنزيه الخالق عنه من باب أولى وأحرى.{ { وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم} } أي: له العزة الكاملة والحكمة الواسعة، فعزته أوجد بها المخلوقات وأظهر المأمورات، وحكمته أتقن بها ما صنعه وأحسن فيها ما شرعه