شمول اهتمام ابن كثير بالعقيدة - منتديات أحاسيس الليل

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ إعلانات احاسيس الليل ) ~
 
   

فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى


الإهداءات


العودة   منتديات أحاسيس الليل > |[ :: القسم الأسلامي:: ]| > نفحات ايمانيه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-Jul-2024, 04:00 AM
نور غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 157
 تاريخ التسجيل : Sep 2021
 فترة الأقامة : 1166 يوم
 أخر زيارة : 13-Nov-2024 (02:11 PM)
 المشاركات : 6,728 [ + ]
 التقييم : 6815
 معدل التقييم : نور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond reputeنور has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]

اوسمتي

افتراضي شمول اهتمام ابن كثير بالعقيدة



إن اهتمام ابن كثير رحمه الله بالعقيدة راجعٌ إلى أهميتها؛ فهي أصل الدين وأساسه، والاعتقاد الصحيح له أثر كبير على فهم النصوص الشرعية فهمًا سليمًا؛ لأن الاعتقاد أساسُ الفهم والتلقِّي، فكلما كان المعتقَد والتصوُّر سليمًا، كان منهج فهم النصوص وتلقِّيها والاستدلال بها موافقًا للحق.

وأمر آخر جعل ابن كثير يهتمُّ بجانب العقيدة، هو ما أدركه من الضعف في الأمَّة، والخلاف والفُرقة؛ مما سبَّب خللًا في عقائد المسلمين، من هنا كان اهتمام ابن كثير رحمه الله بالعقيدة واضحًا في تفسيره، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل إن شاء الله في مبحث منهج ابن كثير في الدعوة إلى العقيدة.


أما هنا، فيمكن أن نلخِّص أبرز ملامح اهتمام ابن كثير بالجانب العقدي في النقاط التالية:
1- حرص ابن كثير على الاستدلال بالكتاب والسُّنة والآثار على قضايا العقيدة: فلا نجد قضية عقدية إلا ويقرِّرها ويثبتها من خلال النصوص والآثار، فمثلًا عند تفسيره الآية: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 131]، قال: "وقد استدل كثير من أئمة السُّنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن؛ لقوله: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾؛ أي: رُصِدت وهُيِّئت"[1].

2- الدعوة إلى توحيد الله وعبادته: فالله سبحانه وتعالى خلَقَ الخلْقَ ليعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، فهو سبحانه "ما خلَقَ الخلْقَ عبثًا؛ وإنما خلقهم ليعبدوه وليوحِّدوه، ثم يجمعهم ليوم الجمع، فيُثيب المطيع، ويعذب الكافر"[2]؛ لذا يجب عبادته سبحانه دون سواه؛ فإن الخلق كلَّهم عبيده، "فإذا كان الجميع عبيدًا، فلِمَ يعبُدُ بعضهم بعضًا بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد الرأي والاختراع والابتداع؟ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك، وتنهاهم عن عبادة سوى الله"[3].

وقد ردَّ رحمه الله على شبهة المشركين في عبادتهم للأصنام بقولهم: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، فقال: "وهذه الشُّبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثِه، وجاءتهم الرسلُ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردِّها، والنهي عنها، والدعوة إلى إقرار العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه"[4].

1- التحذير من الشرك وبيان خطره: وكما يدعو رحمه الله إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، فهو ينهى عن الشرك ويحذِّر منه، وينزِّه اللهَ عنه، ويبيِّن خطر الإشراك بالله، وينبِّه على بعض الأسباب المؤدية للشرك، فيقول: "إن الشرك فَزِعت منه السمواتُ والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلينِ، فكادت أن تزول منه؛ لعظمة الله"[5].

ويقول عند تفسير الآية: ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]: "أي أُنزِّه اللهَ وأُجِلُّه وأعظِّمه وأقدِّسه عن أن يكون له شريك أو نظير، أو عديل أو نديد، أو ولد أو والد، أو صاحبة، أو وزير أو مشير، تبارَك وتَقدَّس وتنزَّهَ عن ذلك كله علوًّا كبيرًا"[6].

وينعى رحمه الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيرَه، وأشركوا به سواه، بأنهم "لا يفعلون ذلك عن دليل قادهم إلى ما هم فيه من الإفك والضلال؛ وإنما يفعلون ذلك اتباعًا لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجُهَّال، كما قالوا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23][7].

ومن أضرار الشرك وفساده أنه يؤثِّر على الفهم الصحيح والقصــد إلى العمل الصالح، فيقول رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 22]: "وقال محمد بن إسحاق: هم المنافقون، قلت: ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا؛ لأن كلًّا منهم مسلوبُ الفهم الصحيح، والقصد إلى العمل الصالح، ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح لو فُرض أنهم لهم فهمًا، فقال: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ [الأنفال: 23]؛ أي: لا فهم، وتقدير الكلام: ولكن لا خير فيهم فلم يُفهِمهم"[8].

2- الإيمان بتوحيد الربوبية يقتضي الإيمان بتوحيد الألوهية: فابن كثير يقرِّر دائمًا أن الله الخالق الرازق المحيي المميت هو المستحق للعبادة، فيقول عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ [البقرة: 21]: "شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانيته وألوهيته بأنه تعالى هو المنعِم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النِّعَمَ الظاهرة والباطنة.... فبهذا استحَق أن يُعبَد وحده، ولا يُشرَك به غيره"[9].

وعند تفسير الآيات: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 61 - 63]، قال: "يقول تعالى مقرِّرًا أنه لا إله إلا هو؛ لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون أنه المستقلُّ بخلق السموات والأرض، والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده... فإذا كان الأمر كذلك فلمَ يُعبَدُ غيره؟ ولمَ يُتوكَّلُ على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه، فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرن تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية"[10].

ويقول أيضًا: "وإنما يستحق العبادةَ اللهُ وحده لا شريك له، الذي بيده الملك، وله التصرف، وما من شيء إلا تحت مُلكِه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه"[11].

3- أن منهج السلف في إثبات الأسماء والصفات هو المنهج الصحيح: فيقول عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54]: "وأما قوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، فللناس في هذا المقام مقالاتٌ كثيرة جدًّا، ليس هذا موضع بسطها؛ وإنما يُسلَك في هذا المقام مذهبُ السلف الصالح: مالك، والأوزاعي[12]، والثوري[13]، والليث بن سعد[14]، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه[15]، وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفيٌّ عن الله؛ فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]؛ بل الأمر كما قال الأئمة منهم نُعَيم بن حماد الخزاعي[16] شيخ البخاري: "من شبَّهَ الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر"، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهٌ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله النقائص، فقد سلك سبيل الهدى"[17].


4- مسمى الإيمان غير مسمى الإسلام، وأنه قول وعمل واعتقاد، ويَزيد وينقُص: فابن كثير رحمه الله يقرِّر مذهب السلف في أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فالعمل داخلٌ في مسمى الإيمان، ويفرِّق بين مسمى الإيمان اللغوي والشرعي، وأن مسمى الإيمان غير مسمى الإسلام، وأن الإيمان يزيد وينقص، فيقول[18] رحمه الله: "أما الإيمان في اللغة، فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك؛ كقوله تعالى: ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 61]، وكما قال إخوة يوسف: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ [يوسف: 17]، وكذلك إذا استعمل مقرونًا مع الأعمال؛ كقوله: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [التين: 6]، فأما إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادًا وقولًا وعملًا"[19].

وقال رحمه الله عند تفسير الآيـــــة: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]:"وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضُلِه في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمة، بل قد حكى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحد من الأئمة؛ كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد"[20].

وقد ردَّ رحمه الله على الذين لا يفرِّقون بين مسمى الإيمان والإسلام، فقال عند تفسير الآية: ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذاريات: 36]: "احتج بهذه الآية من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرِّق بين مسمى الإيمان والإسلام؛ لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن هؤلاء كانوا قومًا مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلمٌ ولا ينعكس، فاتفق الاسمان هاهنا؛ لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال"[21]؛ ولذلك قال عند تفسير الآية: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ [الحجرات: 14]: "وقد استُفيد من هذه الآية الكريمة أن الإيمان أخَصُّ من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة"[22].

3- أصول الإيمان: وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدَرِ خيره وشرِّه، يقول رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177]، قال: "فإن من اتصف بهذه الآية فقد دخل في عرى الإسلام، وأخذ بمجامع الخير كلِّه، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا إله إلا هو، وصدَّق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله، والكتاب وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزَّلة من السماء على الأنبياء، حتى خُتِمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسَخَ به كلَّ ما سواه من الكتب قبله، وآمَنَ بأنبياء الله كلِّهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين"[23].

فابن كثير رحمه الله يؤكِّد على الإيمان بهذه الأصول والأركان، فيذكرها مجتمعة، وقد يفرد الحديث عن ركن منها؛ كالإيمان بالله، كما سبق، أو الملائكة، أو الكتب، أو الرسل، أو اليوم الآخر، أو القضاء والقدر؛ فمثلًا يؤكد على الإيمان بجميع الأنبياء والرسل، و"أن من كفر بنبيٍّ فقد كفر بجميع الأنبياء؛ لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به، فعادٌ كفروا بهود، فنزَّل كفرهم منزلةَ من كفر بجميع الرسل"[24].

ومن أركان الإيمان وأصوله الإيمانُ باليوم الآخر؛ "فإنه لا بد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع، ويعاقب فيها هذا الفاجر، وهذا الإرشاد يدل العقول السليمة والفطر المستقيمة على أنه لا بد من معاد وجزاء، فإنَّا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه، ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلا بد في حكمة الحكيم العادل الذي لا يَظلِم مثقالَ ذرة من إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعيَّن دارٌ أخرى لهذا الجزاء والمواساة"[25].

وكذلك الإيمان بالقدر وثمرة ذلك على المؤمن، فيقول رحمه الله عند تفسير آية: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]: "ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمةُ السُّنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها"[26].

ويقول أيضًا: "ومن أصابته مصيبةٌ، فعَلِم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوَّضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرًا منه"[27].

1- وجوب تحكيم شرع الله، ورد النتائج في الحكم إلى الله ورسوله: فابن كثير رحمه الله يؤكد أنه "إذا حكَمَ الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأي ولا قول"[28]، ويضيف رحمه الله: "أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر"[29]؛ وذلك لأنه ليس هناك "أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به، وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء"[30].

2- حب الصحابة والترضي عنهم، وأن الخير كل الخير فيما ورد عنهم: وقد سبق الكلام على موقف ابن كثير من الصحابة، فهو رحمه الله يرى أن الخير كل الخير فيما ورد عنهم؛ لأن "كل فعل وقول لم يثبُتْ عن الصحابة هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها"[31].

وكذلك موقفه رحمه الله من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر شرفهم وفضلهم، وأكد رحمه الله أنه "لا تُنكَرُ الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وُجد على وجه الأرض فخرًا ونسبًا وحسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجليَّة، كما كان عليه سلفهم؛ كالعباس[32] وبَنيه، وعليٍّ وأهل بيته وذويه، رضي الله عنهم أجمعين"[33].

4- التحذير من البدع وأهلها: إن البدع التي يحذِّر منها ابن كثير هي البدعة في الدين؛ "فالبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله: ((فإن كل مُحْدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))[34] ، وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: "نعمت البدعة هذه[35]" [36]، فأهل البدع الذين يذمُّهم ابن كثير ويحذِّر منهم هم "أهل الضلال... المعرِضين عن الحق، المتبعين للباطل، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رؤوس الضلالة، الدعاةِ إلى البدع بالأهواء والآراء"[37].

5- عدم تكفيره أهل الكبائر: كما هو الحال عند الخوارج ومن تابَعَهم، الذين يكفِّرون بالكبائر من الذنوب.

6- التحذير من موالاة أعداء الإسلام من الكفار ونحوهم.

7- الأمر بالجماعة والنهي عن الفُرْقة: فابن كثير رحمه الله حريص على تقرير هذا المبدأ وبيانه.


[1] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 81.
[2] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 40، عند تفسير الآية: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ﴾ [ص: 27].
[3] المرجع نفسه 2/ 626، عند تفسير الآية: ﴿ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾ [الرعد: 16].
[4] المرجع نفسه 2/ 54-55.
[5] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 176، عند تفسير الآية: ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ [مريم: 90].
[6] المرجع نفسه 2/ 610.
[7] المرجع نفسه 2/ 318.
[8] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 372.
[9] المرجع نفسه 1/ 76.
[10] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 519.
[11] المرجع نفسه 2/ 554، عند تفسير الآية: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56].
[12] هو عبدالرحمن بن عمرو بن يُحْمد، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، أبو عمرو الأوزاعي، كان يسكن بمحلة الأوزاع، وهي العُقَيبَة الصغيرة، ظاهر باب الفراديس بدمشق، ثم تحوَّل إلى بيروت مرابطًا بها إلى أن مات، وقيل: كان مولده ببعلبك، وكان مولده في حياة الصحابة، قال محمد بن سعد: الأوزاعُ بطن من همدان وهو من أنفسهم، وكان ثقة، قال: ووُلد سنة ثمانٍ وثمانين، وكان خيرًا فاضلًا مأمونًا، كثير العلم والحديث والفقه، حُجَّة، توفي سنة سبع وخمسين ومائة (سير أعلام النبلاء 7/ 107).
[13] هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبدمناة، أبو عبدالله، أمير المؤمنين في الحديث، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، خرج من الكوفة سنة 144 هـ فسكن مكة والمدينة، ثم طلبه المهدي فتوارى وانتقل إلى البصرة، فمات فيها مستخفيًا سنة 161 هـ. الأعلام 3/ 104.
[14] هو الليث بن سعد بن عبدالرحمن، الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية، أبو الحارث الفَهْمي، مولى خالد بن ثابت بن طاعن، وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس من أهل أصبهان، ولا منافاة بين القولين، ولد بقرقشنده قرية من أسفل أعمال مصر في سنة أربع وتسعين، سمع عطاء وابن أبي مليكة وابن شهاب الزهري وغيرهم، كان الليث رحمه الله فقيه مصر ومحدثها ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره، ويرجعون إلى رأيه ومشورته، وقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم فاستعفى من ذلك، توفي سنة 175هـ، سير أعلام النبلاء 8/ 136.
[15] هو الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبدالله بن مطر التميمي الحنظلي المروزي، نزيل نيسابور، ومولده سنة إحدى وستين ومائة، وسمع من ابن المبارك، قال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى، سكن نيسابور، ومات بها سنة ثمان وثلاثين ومائتين. سير أعلام النبلاء 11/ 358.
[16] هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي أبو عبدالله، أول من جمع المسند في الحديث، كان من أعلم الناس بالفرائض، ولد في مرو الشاهجان، وأقام مدة في العراق والحجاز يطلب الحديث، ثم سكن مصر ولم يزل فيها إلى أن حُمِل إلى العراق في خلافة المعتصم، وسئل عن القرآن: أمخلوق هو؟ فأبى أن يجيب، فحُبِس في سامراء ومات في سجنه، من كتبه الفتن والملاحم، توفي سنة 228هـ (الأعلام 8/ 40).
[17] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 280.
[18] عند تفسير الآية: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3].
[19] المرجع نفسه 1/ 56.
[20] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 359.
[21] المرجع نفسه 4/ 278.
[22] المرجع نفسه 4/ 257.
[23] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 258.
[24] المرجع نفسه 2/ 555 عند تفسير الآية: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [هود: 59].
[25] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 41 عند تفسير الآية: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ص: 28].
[26] المرجع نفسه 4/ 316.
[27] المرجع نفسه 4/ 442 عند تفسير الآية: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [التغابن: 11].
[28] المرجع نفسه 3/ 63 عند تفسير الآية: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [الأحزاب: 36].
[29] المرجع نفسه 10/ 633 عند تفسير الآية: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [النساء: 59].
[30] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 88 عند تفسير الآية: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ﴾ [المائدة: 50].
[31] المرجع نفسه 4/ 185 عند تفسير الآية: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الأحقاف: 11].
[32] هو العباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، أبو الفضل، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام، وجد الخلفاء العباسيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه: ((أجود قريش كفًّا وأوصلها، هذا بقية آبائي))، وهو عمه، وكان محسنًا لقومه، سديد الرأي، واسع العقل، وكانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، أسلَمَ قبل الهجرة وكتم إسلامه، وأقام بمكة يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار المشركين، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد وقعة حنين فكان ممن ثبت حين انهزم الناس، وشهد فتح مكة، وكانت وفاته في المدينة سنة32هـ، الأعلام 3/ 262.
[33] المرجع نفسه 4/ 133 عند تفسير الآية: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23].وانظر التفسير 4/ 622 عند تفسير الآية: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].
[34] أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب تحقيق الصلاة والخطبة رقم (867).
[35] أخرجه البخاري كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان رقم (2010) وهو موقوف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[36] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 201 عند تفسير الآية: ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 117].
[37] المرجع نفسه 3/ 259.




 توقيع : نور

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع ما يطرح في منتديات أحاسيس الليل لا يعبر عن رأي الموقع وإنما يعبر عن رأي الكاتب
وإننــے أبرأ نفســے أنا صاحبة الموقع أمامـ الله سبحانه وتعالــے من أــے تعارف بين الشاب والفتاة من خلال أحاسيس الليل
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009