|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
إذا كان كل شيء بقدر فلماذا ندعو الله تعالى
؛
السؤال: لماذا يجب علينا أن ندعو إذا كان الله يفعل ما يريد ، ويعطي من يريد ، حتى أولئك الذين لم يسألوه ، وماذا نفعل إن دعوناه فلم يستجب لنا ؛ لأننا بشر في النهاية ، وعدم إعطائنا ما نريد أمر يؤثر في النفس ... إن كل شيء بقدر ، سواء دعونا أم لم ندع ، فلماذا إذن لا نقتصر على العبادة دون أن نتعرض للطلب والدعاء . هل في هذا إشكال أو بأس ؟ الجواب : الحمد لله يمكننا أن نجيبك باختصار ووضوح بأننا ندعو الله تعالى رغم علمنا بأن كل شيء بقدر ، وأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ ، وذلك لأسباب ثلاثة رئيسية ، وكل سبب منها يحتمل الشرح والتطويل بمؤلف خاص : أولا : ندعو الله تعالى لأنه عز وجل يحب أن يرانا على بابه متذللين ، نسأله ونتضرع إليه ، فالسؤال والتضرع أحد مظاهر فقر الإنسان للغني الكامل عز وجل ، يرافقها الحب والتعظيم له سبحانه ، تماما كما يحب سبحانه منا أن نركع ونسجد لعظمته ، وأن نصوم امتثالا لأمره ، ونحوها من العبادات ، كذلك يحب منا سبحانه وتعالى أن نطلب منه حاجاتنا ، ونأوي إلى ركنه الشديد ، يقول الله عز وجل : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) النساء/32 ، ويقول سبحانه : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55 ، ويقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/15 . ثانيا : لا أحد يختلف معك أن كل شيء مقدر عند الله سبحانه ، ومكتوب في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، ولكن الذي فاتك أن تتعرف عليه في سؤالك : أن الله سبحانه وتعالى لم يكتب لك أنه يعطيك أو لا يعطيك فحسب ، بل إذا قدر لك العطاء ، فسيقدره مقرونا بسببه ، بمعنى أن الله إذا قدر لك الزواج مثلا ، فسيكون مكتوبا عنده أنك تبذل من الأسباب ما يوصلك لهذا الشيء المقدر . ولو سألك أحدهم فقال لك : إذا كان الطعام والشراب مقدرا لي أيضا ، فلن أسعى لرزقي ، فما هو مكتوب علي سيأتيني لا محالة ، سواء سعيت له أم لا !! فبماذا تجيبه ؟!! نظنك ستجيبه فتقول : إنك إذا أكلت أو شربت فذلك مقدر مكتوب عليك ، ولكنه مكتوب مع سببه ، وهو أنك ستقوم مثلا لتحضر الطعام أو تشتريه أو تعمل لتكسب الرزق لتحصيله ونحو ذلك من الأسباب ، كلها تؤدي إلى المسبب ، وكل ذلك بقدر الله سبحانه . فالكتابة ليست للنتائج فحسب ، بل للأسباب أيضا ، فإذا لم تبذل السبب لن تتأتى النتيجة أبدا . وهكذا أيضا جوابنا على سؤالك حول الدعاء ، فالدعاء أحد الأسباب التي أمرنا الله بها ، بل ورغبنا فيها وحثنا عليها ، وجعلها موصلة إلى مسببها ، كغيرها من الأسباب ، بل هو من أنفع الأسباب للمطالب الدينية والدنيوية . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الذين يظنون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة وغير ذلك من الخيرات : إن كان مقدرا حصل بدون ذلك ، وإن لم يكن مقدرا لم يحصل بذلك = هؤلاء كالذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ( أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب ؟ فقال : لا . اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ) وفي السنن أنه ( قيل : يا رسول الله ؛ أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها ؛ وتقاة نتقيها ؛ هل ترد من قدر الله شيئا ؟ فقال : هي من قدر الله ) . ولهذا قال من قال من العلماء : الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا تغيير في وجه العقل ؛ والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع .. والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات ؛ وجعل هذا سببا لهذا . فإذا قال القائل : إن كان هذا مقدرا حصل بدون السبب ، وإلا لم يحصل ؟! جوابه : أنه مقدر بالسبب ، وليس مقدرا بدون السبب ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ؛ وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة . وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة ) " انتهى من " مجموع الفتاوى " (8/138-139) . ويقول – أيضا - رحمه الله : " الصواب أن الدعاء والتوكل والعمل الصالح سبب في حصول المدعو به من خير الدنيا والآخرة ، والمعاصي سبب ، وأن الحكم المعلق بالسبب قد يحتاج إلى وجود الشرط وانتفاء الموانع ، فإذا حصل ذلك ، حصل المسبب بلا ريب " انتهى من " مجموع الفتاوى " (14/ 143) . ثالثا : نحن ندعو الله عز وجل – رغم أن كل شيء بقدر – كي يمنحنا مزيدا من فضله ، وذلك أنه ثبت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللهُ أَكْثَرُ ) رواه أحمد في " المسند " (17/213) ، وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة ، وجود إسناده المنذري في " الترغيب والترهيب " ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " (547) . فتأمل كيف أن فقه الصحابة الكرام قادهم إلى العزم على الإكثار من الدعاء ، لما سمعوه من الفضل الجزيل مطلقا للدعاء ، سواء تحقق في الدنيا أم لا ، وسواء كُتب القدر بخلافه أم لا . وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " أنكر بعضهم الدعاء ... محتجا بحديث ( فرغ ربك من ثلاث رزقك وأجلك وشقي أم سعيد) فهل هو كذلك ؟ فأجاب بقوله : ليس الأمر كما زعم هذا المنكر ، ويلزمه إبطال الدعاء من أصله ، لأن كل ما سيقع لك قد فرغ منه ، وبذلك قال بعض المبتدعة ، فأبطلوا الدعاء من أصله ، وقالوا لا فائدة له ؛ لأنه إن سبق وصول المدعو به للداعي ، فالدعاء بوصوله عبث ، وإلا فهو عبث أيضا . وردَّ عليهم أهل السنة بأن المطلوب من الدعاء التذلل والخضوع ؛ ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) وفي بعض الآثار أن الله قال لموسى عليه الصلاة والسلام : ( يا موسى اسألني كل شيء حتى ملح عجينك ) . على أن له فائدة ، وهي أن تلك المقدرات على قسمين : منها ما أُبرم ، وهو المعبر عنه بما في أم الكتاب الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا . ومنها ما عُلق على فعل شيء ، وهو المعبر عنه باللوح المحفوظ القابل للتغيير والتبديل ، وأصل ذلك قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) [الرعد: 39] . فمن ذلك حديث أن زيارة الرحم تزيد في العمر ... وكذلك الدعاء : قد يكون المدعو به معلقا على الدعاء ، فكان للدعاء فائدة أي فائدة . على أن الدعاء لا يخيب أبدا ؛ لأنه إن كان بما علق على الدعاء ، فواضح وجود الفائدة فيه ، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ) . وإن كان بما لم يعلق على ذلك ، ففائدته الثواب ؛ لأن الدعاء من العبادة . وأيضا : فيبدل الله الداعي بدل ما دعا به ، مما لم يقدر له ، بما هو مثل ذلك ، أو أفضل منه ، كما يليق بجوده وكرمه وسعة فضله وحلمه ، ومن ثم أطلق سبحانه وتعالى الاستجابة للدعاء ولم يقيدها بشيء ، فقال عز وجل : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [غافر: 60] ، وقال : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) [البقرة: 186] والفعل وإن كان في حيز الإثبات فلا عموم له ، لكنه في مقام الامتنان للعموم ، كما قالوا به في النكرة في سياق الامتنان ، إذ الفعل والنكرة المثبتة من واد واحد ، عموما وعدمه ، فتأمل ذلك كله ، فإنه ظهر لي بحمد الله ولا مزيد على حسنه وتحقيقه . ثم رأيت بعضهم أشار لبعض ذلك فقال : لا ينكر الدعاء إلا كافر مكذب بالقرآن ؛ لأن الله تعالى تعبد عباده به في غير ما آية ، ووعدهم بالاستجابة على ما سبق في علمه من أحد ثلاثة أشياء على ما ورد في الحديث : استجابة ، أو ادخار ، أو تكفير عنه " انتهى من " الفتاوى الحديثية " (ص/92) . والخلاصة : أننا ندعو لأن الدعاء من أسباب حصول المطلوب ، تماما كما أن الأكل والشرب من أسباب الشبع ، والمسلم يأخذ بالسبب ويتوكل على الله سبحانه ، فضلا عما في الدعاء من ثواب وأجر جزيل . ؛
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هل أنت من المتوكلين على الله تعالى؟ | ♥• قلم رصاص •♥ | نفحات ايمانيه | 9 | 06-Nov-2024 06:35 PM |
معية الله تعالى كما قررها القرآن | نزف القلم | نفحات ايمانيه | 11 | 26-Dec-2023 07:18 PM |
رحمة الله تعالى | اميرة اميري | نفحات ايمانيه | 13 | 19-Dec-2023 06:56 PM |
فهم الصحابة ل دين الله تعالى | MR.HMoOoD | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 12 | 22-Nov-2023 05:39 PM |
تأملات قرأنية في خلق الله تعالى للبحار | MR.HMoOoD | أحاسيس القران وعلومه | 18 | 18-Sep-2023 12:56 AM |