تخريج حديث: إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وقال: «إذا ولغتْ فِيهِ الْهِرةُ غُسِل مرة». (1/ 71).
معل، والصواب فيه الوقف.
أخرجه الترمذي (91)، قال: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يُغْسلُ الإِناءُ إِذا ولغ فِيهِ الكلْبُ سبْع مرات أُولاهُن، أوْ أُخْراهُن بِالترابِ، وإِذا ولغتْ فِيهِ الهِرةُ غُسِل مرة».
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقد رُوِي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، ولم يذكر فيه: «إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة».
وقد تعقبه ابن دقيق العيد في «الإمام» (1/ 243)، فقال: «والترمذي اعتمد في التصحيح على عدالة الرجال عنده، ولعله لم يلتفت لوقف من وقفه مع رفع من رفع» اهـ.
قلت: هذا الإسناد، وإن كان رجاله ثقات، إلا أنه معل؛ فقد خالف مسدد بن مسرهد سوارا، فرواه عن المعتمر موقوفا، ومسدد أوثق من سوار.
فقد أخرجه أبو داود (72)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (1171)، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا المعتمر؛ يعني ابن سليمان، وحدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا حماد بن زيد، جميعا، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «إذا ولغ الهر غُسِل مرة».
قال ابن عبد الهادي في «التنقيح» (1/ 101): «علة الحديث أن مسددا رواه عن معتمر، فوقفه».
وقد رُوِي هذا الحديث عن أيوب من غير طريق المعتمر مرفوعا أيضا.
فقد أخرجه البيهقي في «الكبير» (1172)، من طريق محمد بن عمر القصبي، عن عبد الوارث، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا ولغ الْكلْبُ فِي إِناءِ أحدِكُمْ فلْيغْسِلْهُ سبْع مرات أُولاهُن أوْ أُخْراهُن بِالترابِ، والسنوْرُ مرة».
قلت: هذا إسناد رجاله ثقات.
* محمد بن عمر القصبي، وثقه ابن معين.
* وعبد الوارث؛ هو ابن سعيد، ثقة ثبت.
ولكن هذا طريق معلول؛ فقد خولف عبد الوارث، فرواه من هم أوثق منه وأكثر عددًا عن أيوب موقوفًا.
فقد أخرجه الدارقطني في «سننه» (201)، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال في الهر يلغ في الإناء، قال: «اغسله مرة، وأهرقه».
وأخرجه أبو عبيد في «الطهور» (204)، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات أولهن أو آخرهن بالتراب، والهر مرة».
وإسماعيل بن إبراهيم؛ هو ابن علية، ثقة ثبت حافظ متقن.
ولذلك قال البيهقي: «وكذلك رواه معمر عن أيوب، وغلط فيه محمد بن عمر القصبي، فرواه عن عبد الوارث، عن أيوب، مدرجا في الحديث المرفوع» اهـ.
وقد رُوِي هذا الحديث مرفوعا من طريق أخرى، ولكنه معلول أيضا.
فقد أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2649)، وفي «معاني الآثار» (51)، وابن الجعد في «معجمه» (34)، والدارقطني في «سننه» (186) و (205)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (1168)، وابن منده في «أماليه» (316)، والحاكم في «المستدرك» (570) و (571)، وتمام في «فوائده» (1367)، من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «طُهُورُ الْإِناءِ إِذا ولغ فِيهِ الْهِر غسْلُ مرة أوْ مرتيْنِ»، قرة يشك.
قال الطحاوي: «هذا حديث صحيح الإسناد».
وتعقبه البيهقي في «معرفة السنن» (2/ 70)، فقال: «وزعم الطحاوي أن حديث قرة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة في ولوغ الهر عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح، ولم يعلم أن الثقة من أصحابه قد ميزه عن الحديث وجعله من قول أبي هريرة، وهو عن أبي هريرة مختلف فيه؛ ولو كانت رواية صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يختلف قوله فيها» اهـ.
وقال البيهقي أيضا: «وأبو عاصم الضحاك بن مخلد ثقة؛ إلا أنه أخطأ في إدراج قول أبي هريرة في الهرة في الحديث المرفوع في الكلب، وقد رواه علي بن نصر الجهضمي، عن قرة، فبينه بيانا شافيا» اهـ.
وقال الدارقطني: «قال أبو بكر [النيسابوري]: كذا رواه أبو عاصم مرفوعا، ورواه غيره عن قرة: ولوغ الكلب مرفوعا، وولوغ الهر موقوفا» اهـ.
وقال الحاكم: «وقد شفى علي بن نصر الجهضمي عن قرة في بيان هذه اللفظة».
قلت: قد أخرجه الحاكم في «المستدرك» (572)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (1169)، وفي «الخلافيات» (922)، من طريق نصر بن علي، عن أبيه، عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «طهُورُ إِناءِ أحدِكُمْ إِذا ولغ فِيهِ الْكلْبُ أنْ يُغْسل سبْع مرات أُولاهُن بِالترابِ»، ثم ذكر أبو هريرة الهر، لا أدري قاله مرة أو مرتين، قال نصر بن علي: وجدته في كتاب أبي في موضع آخر، عن قرة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة في الكلب مسندا، وفي الهر موقوفا.
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (206)، والحاكم في «المستدرك» (573)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (1170)، من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، في الهر يلغ في الإناء؟ قال: «اغسله مرة أو مرتين».
ومسلم بن إبراهيم، ثقة مأمون.
وأخرجه المخلص (241)، وابن شاهين في «ناسخ الحديث» (140)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (1004)، وفي «تاريخ بغداد» (12/ 407)، من طريق أبي بدر عباد بن الوليد الغُبري، عن حفص بن واقد، عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طهُورُ إِناءِ أحدِكُمْ إِذا ولغ فِيهِ الْكلْبُ سبْعُ مرات أولُهُن بِالترابِ، والْهِر مرة».
وقد أخرجه ابن عدي في «الكامل» (4/ 86)، بدون ذِكْر الهرة.
وحفص بن واقد، ضعيف، وله أحاديث منكرة، وليس له من الأحاديث إلا شيء يسير، وقد استنكر ابن عدي منها هذا الحديث.
قال البيهقي: «ورواه أيضا حفص بن واقد، عن ابن عون، عن محمد عن أبي هريرة، مرفوعا مدرجا في الحديث، ورواية الجماعة أولى، ورواه هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة في سؤر الهر يهراق ويغسل الإناء مرة أو مرتين» اهـ.
وأخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (7/ 70)، وفي «معاني الآثار» (52)، والدارقطني في «سننه» (199)، ومن طريقه البيهقي في «الكبير» (1173)، من طريق وهب بن جرير، عن هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «سؤر الهر مهراق، ويغسل الإناء مرة أو مرتين».
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (200)، من طريق عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «إذا ولغ الهر في الإناء فأهرقه، واغسله مرة».
قال الطحاوي: «أيوب فوق هشام في الجلالة والثبت؛ فزيادة ما زاده عليه في إسناد هذا الحديث مقبولة، وقرة فإن لم يكن فوق هشام في الثبت والحفظ، لم يكن دونه في ذلك، مع أن محمد بن سيرين قد كان إذا أوقف أحاديث أبي هريرة، فسئل عنها؛ أهي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي، قال: حدثنا إسماعيل، ويحيى بن عتيق، عن محمد بن سيرين، أنه كان إذا حدث عن أبي هريرة، فقيل له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم». قال: فدل ذلك أن محمدا رفع هذا الحديث مرة فأخذه عنه كذلك أيوب وقرة، وأوقفه على أبي هريرة مرة؛ لما قد أعلم الناس أن كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعه منه هشام كذلك، وهو في الحقيقة عن النبي صلى الله عليه وسلم» اهـ.
قلت: هو لم يثبت عن أيوب مرفوعا أصلا، وثبت عن قرة بن خالد موقوفا، ولم يصح عنه مرفوعا.
وقد سئل الإمام الدارقطني في «العلل» (8/ 117)، عن حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الهر يلغ في الإناء، قال: «يغسل مرة، أو مرتين».
فقال: «اختُلف فيه على ابن سيرين؛ رواه قرة بن خالد، واختلف عنه: فرواه أبو عاصم النبيل، عن قرة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «والهر مرة، أو مرتين».
وخالفه أبو عامر العقدي؛ فرواه عن قرة موقوفا، وكذلك رواه مسلم بن إبراهيم، عن قرة.
واختلف عن أيوب السختياني:
فرواه معتمر، عن أيوب، ورفعه، فلم يصرح في الحديث ذِكْر الهرة.
وخالفه حماد بن زيد، وابن علية، ومعمر، والثقفي، رووه؛ عن أيوب موقوفا، رواه النضر بن شميل، عن هشام، وشك في رفعه.
والصحيح قول من وقفه عن أبي هريرة في الهر خاصة.
ورُوي عن عمرو بن دينار، وأبي الزبير جميعا، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قوله: يغسل من الهر، كما يغسل من الكلب، ولا يصح عن أبي صالح» اهـ.
وقال البيهقي في «معرفة السنن» (2/ 69): «وأما حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: «إذا ولغ الهر غسل مرة»؛ فقد أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ الكلب، ووهموا فيه؛ الصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي ولوغ الهر موقوف؛ ميزه علي بن نصر الجهضمي، عن قرة بن خالد، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ووافقه عليه جماعة من الثقات» اهـ.
وقال البيهقي في «الخلافيات» (3/ 118): «فعلى هذا الوجه رواية الحفاظ، فلا اعتبار برواية من رواه في الهرة مرفوعا، وأبو هريرة رضي الله عنه إن أراد بهذا الغسل: النظافة، فكذا يقول، وإن أراد به تنجيس الهرة، فهو محجوج بحديث أبي قتادة وغيره» اهـ.
وقال البغوي في «شرح السنة» (2/ 74): «وروى معتمر بن سليمان، عن أيوب، حديث أبي هريرة، وزاد فيه: «وإذا ولغت الهرة غسل مرة»، وأكثر الرواة لم يذكروا فيه الهرة» اهـ.
وقال ابن عبد الهادي في «المحرر» (1/ 88): «وروى أبو داود قوله: «إذا ولغ الهر»، موقوفا، وهو الصواب».
الشيخ محمد طه شعبان
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|