السؤال:
قال تعالى(و لا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما و ارزقوهم فيها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفا) و اكثر العلماء قالوا ان المقصود النساء و الاطفال و قال الضحاك: النساء أسفه السفهاء . و دائماً اسمع جملة عقول النساء قاصرة و قال ذلك ابن عثيمين ايضاً فهل هذا يعني انني مهما حاولت ان اقوي عقلي و ملاحظتي لن استطيع لان عقلي خفيف ؟؟ و هل صحيح ان الصحابيات و امهات المؤمنين حالات نادرة فقط و ان بقية النساء لن يستطعن ان يطورن من انفسهن اي انني سفيهة مهما حاولت ان افعل ؟
الإجابة:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أمَّا بعد: فمما لا شك فيه أن الله عز وجل كرّم الرجل والمرأة على حد سواء، بالاصطفاء والتكريم على سائر المخلوقات، وهو سبحانه خالق الذكر والأنثى، وقد اقتضت حكمته - سبحانه - أن جعل لكل منهما صفات خَلقية يتميز بها عن الآخر، ورتّب على تلك الصفات تكاليف عمارة الأرض، فخصّ الرجل بما يناسب وظائفه، وأعطى المرأة كذلك بما يناسب طبيعة عملها؛ كما قال سبحانه: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}. وخص المرأة بما يؤهلها من القيام على مصانع الرجال والنساء، وهو أمر جلل ومنصب عظيم يحتاج إلى صفات عالية وكبيرة لا تتوفر إلا في المرأة، ولا يمكن لغيرها القيام به، وقد صدق شوقي إذ يقول: الأم مدرسة البنين وحسبهم ... أن يغتذوا من ثديها المهراق وقال الرصافي: فحضن الأم مدرسة تسامت ... بتربية البنين أو البنات ويقول حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبا طيب الأعراق جاء في الظلال: "إن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة في تقسيم الوظائف وتقسيم الأنصبة بين الرجال والنساء، والفطرة ابتداء جعلت الرجل رجلاً والمرأة امرأة وأودعت كلاً منهما خصائصه المميزة لتنوط بكل منهما وظائف معينة.. ولا يرتفع على هذا العبث محاولة بعض الكتاب الجادين تنقص المرأة وثلبها، وإلصاق كل شائنة بها، سواء كان ذلك باسم الإسلام أو باسم البحث والتحليل، فالمسألة ليست معركة على الإطلاق! إنما هي تنويع وتوزيع، وتكامل، وعدل بعد ذلك كامل في منهج الله. وننظر في أمر الجهاد والاستشهاد ونصيب المرأة منه ومن ثوابه.. وهو ما كان يشغل بال الصالحات من النساء في الجيل الصالح، الذي يتجه بكليته إلى الآخرة وهو يقوم بشئون هذه الدنيا. إن الله لم يكتب على المرأة الجهاد ولم يحرمه عليها ولم يمنعها منه- حين تكون هناك حاجة إليها، لا يسدها الرجال- وقد شهدت المغازي الإسلامية آحاداً من النساء- مقاتلات لا مواسيات ولا حاملات أزواد- وكان ذلك على قلة وندرة بحسب الحاجة والضرورة ولم يكن هو القاعدة. وعلى أية حال، فإن الله لم يكتب على المرأة الجهاد كما كتبه على الرجال. إن الجهاد لم يكتب على المرأة، لأنها تلد الرجال الذين يجاهدون، وهي مهيأة لميلاد الرجال بكل تكوينها، العضوي والنفسي ومهيأة لإعدادهم للجهاد وللحياة سواء، وهي- في هذا الحقل- أقدر وأنفع، هي أقدر لأن كل خلية في تكوينها معدة من الناحية العضوية والناحية النفسية لهذا العمل، وليست المسألة في هذا مسألة التكوين العضوي الظاهر بل هي - وعلى وجه التحديد - كل خلية منذ تلقيح البويضة، وتقرير أن تكون أنثى أو ذكراً من لدن الخالق - سبحانه - ثم يلي ذلك تلك الظواهر العضوية، والظواهر النفسية الكبرى، وهي أنفع- بالنظر الواسع إلى مصلحة الأمة على المدى الطويل للمرأة؛ لتقوم على حراسة الرصيد البشري الثمين الذي لا يقوّم بمال، ولا يعدله إنتاج أية سلعة أو أية خدمة أخرى للصالح العام! وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل، وهي وظائف ضخمة أولاً وخطيرة ثانياً، وليست هينة ولا يسيرة، بحيث تؤدَّى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى! فكان عدلاً كذلك أن ينوط بالشطر الثاني- الرجل- توفير الحاجات الضرورية. وتوفير الحماية كذلك للأنثى كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل، ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد! وكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك، ومن ثم زودت المرأة- فيما زودت به من الخصائص- بالرقة والعطف، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة- بغير وعي ولا سابق تفكير؛ لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها - حتى في الفرد الواحد- لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية! لتسهل تلبيتها فوراً وفيما يشبه أن يكون قسراً، ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج، ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان كذلك، لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى- مهما يكن فيها من المشقة والتضحية! صنع الله الذي أتقن كل شيء. وهذه الخصائص ليست سطحية، بل هي غائرة في التكوين العضوي والعصبي والعقلي والنفسي للمرأة". اهـ. ولهذا اقتقضت حكم العليم اللطيف الخبير أن جعل عقل على الصفة الواردة في الحديث المشار إليه في السؤال وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"، قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها"، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"، قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها"، فنقصان العقل إذن من أجل النسيان وقلة الضبط، وهذا يشعر بنقص عقلها عن الرجل إجمالاً، وأما تفصيلاً فكثر من النساء أكثر عقلاً من كثير من الرجال؛ وهذا أمر مشاهد محسوس، ولا ينكره إلا مكابر أو جاهل. والحكمة من تلك الطبيعة أن الرجال عادة هم من يزاولون الأعمال، ولكن حين لا يوجد رجلان فليكن رجل واحد وامرأتان؛ {أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى}، والنسيان ينشأ من أسباب كثيرة، منها قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى، وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، لشديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية التي فطرها الله عليها؛ لتلبية حاجات أطفالها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء. أما تفسير بعض العلماء السفها في قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، فليست معنى الآية الكريمة على هذا النحو وإن أخطأ من أخطأ؛ فالعلماء لا يستدل بهم. والمعنى أن الله عز وجل نهى أن يسلم المال إلى غير رشيد سواء كان ذكرًا أو انثى، السفيه هو من يستحق الحجر عليه لضعف عقله، بخلاف الرشيد من الجنسين فإنه يدفع إليه ماله وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم؛ كما قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا} [النساء: 6]. قال شيخ المفسرين الإمام أبوجعفر الطبري: تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (7/ 566): فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في"اليتامى" الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لَهُم من الأموال، الذكورَ دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور. وإذْ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن الذين أمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم، إليهم، وأجيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم، غير الذين أمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحُظِر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم. فإذْ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ أن"السفهاء" الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم، هم المستحقون الحجرَ، والمستوجبون أن يُولى عليهم أموالهم وهم من وصفنا صفتهم قبل، وأن من عدا ذلك فغير سفيه، لأن الحجر لا يستحقه من قد بلغ وأونس رشده". اهـ. وقال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (31/ 33) - بعدما ذكر الآية -: "وقد قال كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم هذا مثل توكيل السفيه، وهو أن يدفع الرجل ماله إلى ولده السفيه أو امرأته السفيهة فينفقان عليه ويكون تحت أمرهما، وقال آخرون: ذلك أن يسلم إلى السفيه مال نفسه؛ فإن الله نهى عن تسليم مال نفسه إليه إلا إذا أونس منه الرشد، والآية تدل على النوعين كليهما: فقد نهى الله أن يجعل السفيه متصرفًا لنفسه أو لغيره بالوكالة أو الولاية". اهـ. إذا تقرر هذا، علم أن المرأة كالرجل في طلب العلم والتعلم بل قد تتفوق عليه، والتاريخ الإسلامي مليء بأمثلة من علماء وحكماء النساء، وليس هذا خاصًا بجيل دون جيل؛ وإنما إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي