|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
الإهداءات | |
•₪• يحكى أن •₪• م ● هنا واحة تحتضن ما أعجبكم من القصص والروايات والكتب والمقالات المنقولة ( كتابية أو فيديوهات ) |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
طريق مغاير
عن الكاتبة ميسون المقطري
انقضت ساعات العمل الطويلة فجمعت أغراضي ووضبت حقيبتي الصغيرة وانطلقت مغادرا .أيام رتيبة ،قدر لامفر منه،مشاكل أثقلت كاهلي وبت عاجزا عن احتمالها...كيف السبيل الى التخلص من كل هذا؟ استغرقني التفكير طوال وقوفي بالمحطة قبل أن استقل الحافلة في طريق عودتي ؛ دفعت بحقيبتي أمامي لأشق طريقا بين الأجساد المتلاحمة متغاضيا عن سيل الشتائم والنظرات الغاضبة وصولا الى مكاني الأثير . التصق جسدي بالحاجز البلاستيكي الذي يفصل السائق عن ركاب الحافلة وأخذت _كعادتي في كل مرة- أراقب من خلال زجاج النافذة المتسخ حركة المرور غير المنتظمة وفوضى الشارع المزدحم؛ كان تصرف بعض المارة ممن يستغلون فرصة توقف المركبات لعبور الشارع من الأماكن غير المخصصة يوحي بالمزيد من الفوضى وكانت وجوههم المتعبة والمكفهرة تزيد المشهد كآبة وتوترا. تكرر وقوفنا في محطات مختلفة توزعت بامتداد الشارع الطويل ومع كل توقف يتدافع البعض للخروج وترتفع أصوات البعض ويكتفي آخرون بنظرات فارغة . مالذي يدفعني اليوم إلى مراقبة تفاصيل رحلتي اليومية المتكررة رغم اعتيادي عليها ؟!! تنبهت إلى صوت نقر خفيف على الحاجز البلاستيكي و بعينين غائرتين وابتسامة مرهقة سألني السائق المسن : مابك يابني، هل نسيت عنوانك؟ لم يباغتني سؤاله المنتظَر لكني مع ذلك ترددت في الإجابة . تأملني قليلا ثم عاد ليسأل :هل تشاجرت مع زوجتك؟ _لست متزوجا. أجبت باقتضاب. _هذا جيد..تصبح الحياة جحيما لايطاق حين يكون شريكك فيها مصدر كدرك وحزنك. تعجبت من أن جملة عميقة المعنى كهذه يمكنها أن تصدر عن سائق حافلة متسخة النوافذ ومكتضة على الدوام. حول الرجل نظره عني وعاد الى جلسته وقبل أن ينطلق بالحافله قال بصوت مرح :يبدو أنك ترغب في اكتشاف حديقة الحافلات الرئيسة ..لننطلق إذن. مضى بعض الوقت قبل أن يرفع سبابته ملوحا بها في الهواء و بصوت عال طغى على صوت محرك الحافلة صاح قائلا: لاتدع الهموم تسيطر عليك ، كل المشاكل يمكن معالجتها ..ثق بما أقوله . لاحت في ذهني فكرة الجلوس أو ربما الاستلقاء والاستمتاع بفرصة ذهبية لاأحسبها تتكرر لكني لم أفعل وبقيت في مكاني أراقب الشارع بصمت. بعد مسافة قصيرة، ظهرت أمامنا ساحة كبيرة يحيط بها سور قديم تتوسطه بوابة حديدية ضخمه . _علي أن أقوم بتسليم الحافلة ، لن يستغرق الأمر طويلا. ترجلت مسرعا بينما واصل طريقه إلى الداخل. انقضت نصف ساعة كنت قد انتهيت خلالها من تدخين سيجارة أو أكثر وهممت بالمغادرة. ارتفع صوت من خلفي : مازلت هنا يابني..! رائع ..دعنا نتمشي قليلا . اقترب مني مشيرا إلى أعقاب السجائر : عليك أن تتخلص من هذه العادة، أعرف كم يبدو الأمر صعبا فقد أدمنتها لبعض الوقت لكنني توقفت عنها وشعرت بتحسن كبير في صحتي . لم أعلق وأخذنا نخطو بخفة في طريق جانبي مقفر قبل أن يشير إلى كومة منازل صغيرة تجاور بعضها البعض قائلا: أقطن هنا مع زوجتي وحفيدي. توقفنا فجأة أمام متجر صغير حياه الرجل الذي بالداخل بابتسامة عريضة وناوله لوحا من الشوكلاتة ؛ تحت ضوء المصباح الخافت لمعت عيناه فشعرت بمدى سعادته في هذه اللحظات. قال وهو يدس لوح الشوكلاتة في جيب قميصه :لاشيء يضاهي فرحة حفيدي بعودتي ، أضاء وجوده بيننا حياة أظلمت بعد رحيل ولدنا المفاجىء إنه نعمة أنعم بها الله علينا ليهون مصابنا. تبدلت فجأة ملامح وجهه لكنه سرعان ماعاد لحالته المرحة. _هاقد وصلنا. . قالها وهو يمسك بكفي ويلح علي كي أتناول العشاء معه. اعتذرت متعللا بضيق وقتي واستأذنت بالذهاب فأخذ يودعني بحرارة شعرت معها أنني أعرفه منذ زمن طويل ولومضة لاح لي طيف والدي وابتسامته التي قاومت حتى آخر لحظة شراسة المرض وضيق الحال . خنقتني العبرة فاستدرت خشية أن تخذلني دموعي لكنه عاد ليمسك بكفي وبنبرة بدت أقرب ماتكون إلى نبرة والدي خاطبني: لو أنك يابني سألتني في هذه المرحلة من عمري عن الشيء الوحيد الذي يكدر صفو حياتي لأخبرتك بأنه الطريق الذي علي أن أقطعه يوميا ذهابا وإيابا دونما تغيير يذكر ،غير أني وجدت سلوتي في الوجوه المتدافعةمن حولي ساخطة تارة ومستسلمة تارة أخرى. الوجوه بالنسبة لي قصص عابرة التقط بدايات خيوطها لأحيك فصولها في مخيلتي طوال رحلتي اليومية . تنهد تنهيدة عميقة قبل أن يسترسل : مضى وقت طويل ..طويل جدا قبل أن اكتشف أن الحياة تبدأ بدايات سخية غير أنها ومع هذا السخاء تتركك حائرا دونما دليل فلاينتبه البعض إلا متأخرا لينتهي به الحال رهينة طريق وحيد وإن اتسع. كانت خطواتي تتلاحق بينما أخذت كلمات الرجل الطيب تتمدد بداخلي لتحتل كل المساحات ؛ هل كان هذا الطريق الذي سلكته اليوم هو سبيلي لتغيير جذري ؟هل كنت بحاجة إلى هذه الرحلة القصيرة والغير متوقعة لأدرك مالم أدركه قبلها وماذا لو لم ألتق بهذا الرجل؟ تنبهت فجأة فصحت في نفسي: لامزيد من الأسئلة. |
|
|