|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||
|
|||||||
الأعمال بالخواتيم
الأعمال بالخواتيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فـ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]. تقليب الدهور والأزمان والأعوام آية من آيات الله تعالى، ليس الزمان صدفة ويوم يمضي ويوم يأتي بلا هدف ولا مدبر، بل ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8]، الدهريون يقولون: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]. والمسلمون يقولون: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [الروم: 40]. ولو أنَّا إذا مُتنا تُرِكنا لكان الموت راحة كل حيّ ولكنا إذا مُتنا بُعِثنا ونُسأل بعده عن كل شيء فنحن في ختام العام، وختام العام هو حصيلة سنة كاملة من العمل والكسب: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]. فهل تذكر في هذا العام شيئًا مميزًا يبقى أجره لك بعد مغادرتك الدنيا؟ إننا في وقت محاسبة كما يقوم أصحاب الأعمال والأموال والمحاسبات بإغلاق حساباتهم ختام العام، فلنحاسب أنفسنا هذه الأيام لنغلق أعمال هذه السنة، ونتذكَّر أفضل ما عملنا فنثبت عليه وننمِّيه، وأسوء ما عملنا فنتوب منه وننساه، كلٌّ منا يحب أن ينقضي عمله بنجاح، فلنُنهِ عامنا بنجاح أيضًا، فمن حجَّ فقد ودَّع عامه بفريضةٍ عظيمة تغفر الذنوب وتغسل الأوزار، وتعيد المسلم كما ولدته أمُّه، ومن ختم عامه بصيام عرفة والاجتهاد في أيام العشر، فقد ودَّع عامه بتكفير ذنوب سنتين وأجور عظيمة، ومن ختم عامه ببر الوالدين وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين والمساكين، فقد جمع الجبال من الحسنات، ومن ختم عامه بتقديم مشروعات مفيدة للبلاد والعباد، فقد وفقه الله، ولكن كما يقال: ليس المهم أن تصل إلى القمَّة، ولكن المهم أن تثبت عليها. ومن الثبات صيام أول العام شهر المحرم الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"؛ رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالخواتيم"؛ رواه البخاري. و في دعاء السلف المأثور: "اللهم اجعل خير عملي خاتمته وخير عمري آخره". العبرة بالخاتمة؛ لأنها آخر عمل الإنسان، فهو ما ثبت عليه واستقر عليه، فمن الناس من يبدأ عامه بالسيئات والتجاوزات والبعد عن الله، ولكنه يختم عامه بالرجوع إلى الله، فهذا دليل خير؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبد عسله قالوا: وما عسله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه"؛ رواه أحمد بسند صحيح. العبرة بالخاتمة؛ لأنها نسخ للبداية. العبرة بالخاتمة؛ لأنها ما يذكر عن الإنسان بعد موته. العبرة بالخاتمة؛ لأنها ما يلاقي الله تعالى عليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بمَ يُختم له"؛ رواه أحمد بسند صحيح. والموفقون ليس لعملهم الصالح خاتمة، بمعنى أنهم أموات جسديًّا، ولكنهم أحياء روحيًّا وعمليًّا، فسيِّدهم وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات وفارق الدنيا؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]، وقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144]، ولكنه صلى الله عليه وسلم حي روحيًّا، بردِّه السلام، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي، حتى أردَّ عليه السلام"؛ رواه أبو داود بسند جيد. وحي بذكره الشريف بين الخلق في الأذان والصلاة، وذكر أحاديثه الشريفة، والعمل بها، وتذكُّر مواقفه وسيرته، وجهاده صلى الله عليه وسلم، وكثرة الصلاة عليه: وضمَّ الإلهُ اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجلَّه فذو العرش محمود وهذا محمد ومن الأحياء بعد موتهم الذين لا يموت عملهم الصالح ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له"؛ رواه مسلم. ومن الأحياء بعد موتهم الشهداء الذين عند ربهم يرزقون، ومن الأحياء بعد موتهم العلماء الربانيون والدعاة المصلحون، وأعلام الأمة المخلصون الذين يبقى أثر علمهم أو جهادهم أو دعوتهم في الأمة دهورًا، فتذكَّر أخي المسلم ما فعلته من عمل صالح يبقى بعد انتهاء حياتك. الخطبة الثانية الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أَولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة)، أما بعد: فختام العام يذكرنا بختام العمر الذي يختلف فيه الناس، فمنهم من يختم له بالصالحات، ومنهم من يختم له بالسيئات، نسأل الله حسن الخاتمة. والأنبياء عليهم السلام حضرهم آخر أعمارهم، فذكروا الله، فقال يوسف عليه السلام: (﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، وإبراهيم عليه السلام: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132]، ويعقوب عليه السلام: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]. فمن الناس من يوقِظ قبل موته بمدة يتمكَّن فيها من التزود بعمل صالح يختم به عمره، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إذا أراد الله بعبد خيرًا، قيَّض له ملكًا قبل موته بعام فيسدده، وييسره حتى يموت وهو خير ما كان. ومنهم: من يوقظ عند حضور الموت فيوفق لتوبة نصوح يموت عليها. وأفضلهم من يفني عمره في الطاعة، ثم ينبه على قرب الأجل ليجد في التزود، ويتهيَّأ للرحيل بعمل يصلح للقاء يكون خاتمة للعمل، كما نُبِّه النبي صلى الله عليه وسلم على قرب أجله، قال ابن عباس: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسُه، فأخذ في أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، قالت أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء، إلا قال: سبحان الله وبحمده، فذكرت ذلك له، فقال: إني أمرت بذلك، وتلا هذه السورة. وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في كل عام في رمضان عشرًا، ويعرض القرآن على جبريل مرة، فاعتكف في ذلك العام عشرين يومًا، وعرض القرآن مرتين، وكان يقول: ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، ثم حج حجة الوداع، وقال للناس: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وطفق يودِّع الناس، ثم رجع إلى المدينة، فخطب قبل وصوله إليها، وقال: (أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي، فأُجيب ثم أمر بالتمسك بكتاب الله)، ثم توفي بعد وصوله إلى المدينة بيسير صلى الله عليه وسلم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
|
|