|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
النبى محمد صلى الله عليه وسلم وفن القيادة
بعد أن جمع صلى الله عليه وسلم معلومات دقيقة عن قوات قريش سار مسرعًا ومعه أصحابه إلى بدر ليسبقوا المشركين إلى ماء بدر، وليَحُولوا بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر، وقال: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم-أي جيش المشركين- فننزله ونغور -نخرب- ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون)( ضعيف على شهرته في كتب المغازي السلسلة الضعيفة للألباني )
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار، وهذا يصور مثلاً من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه حيث كان أي فرد من أفراد ذلك المجتمع يدلي برأيه حتى في أخطر القضايا، ولا يكون في شعوره احتمال غضب القائد الأعلى، ثم حصول ما يترتب على ذلك الغضب من تدني سمعة ذلك المشير بخلاف رأي القائد وتأخره في الرتبة وتضرره في نفسه أو ماله. تربية النبي للصحابة: إن هذه الحرية التي ربَّى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه مكنت مجتمعهم من الاستفادة من عقول جميع أهل الرأي السديد والمنطق الرشيد، فالقائد فيهم ينجح نجاحًا باهرًا، وإن كان حديث السن؛ لأنه لم يكن يفكر برأيه المجرد، أو آراء عصبة مهيمنة عليه قد تنظر لمصالحها الخاصة قبل أن تنظر لمصلحة المسلمين العامة، وإنما يفكر بآراء جميع أفراد جنده، وقد يحصل له الرأي السديد من أقلهم سمعة وأبعدهم منزلة من ذلك القائد؛ لأنه ليس هناك ما يحول بين أي فرد منهم والوصول برأيه إلى قائد جيشه. ونلحظ عظمة التربية النبوية التي سرت في شخص الحباب بن المنذر، فجعلته يتأدب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم دون أن يُطلب رأيه، ليعرض الخطة التي لديه، لكن هذا تم بعد السؤال العظيم الذي قدمه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ إن هذا السؤال ليشي بعظمة هذا الجوهر القيادي الفذ الذي يعرف أين يتكلم ومتى يتكلم بين يدي قائده، فإن كان الوحي هو الذي اختار هذا المنزل، فلأن يقدم فتقطع عنقه أحب إليه من أن يلفظ بكلمة واحدة، وإن كان الرأي البشري فلديه خطة جديدة كاملة باستراتيجية جديدة. إن هذه النفسية الرفيعة، عرفت أصول المشورة، وأصول إبداء الرأي، وأدركت مفهوم السمع والطاعة، ومفهوم المناقشة، ومفهوم عرض الرأي المعارض لرأي سيد ولد آدم، عليه الصلاة والسلام. وتبدو عظمة القيادة النبوية في استماعها للخطة الجديدة، وتبني الخطة الجديدة المطروحة من جندي من جنودها أو قائد من قوادها. الوصف القرآني لخروج المشركين: قال تعالى: ( وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) [الأنفال: 47]. ينهى المولى عز وجل المؤمنين عن التشبه بالكافرين الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس. فقد وصف سبحانه الكافرين في هذه الآية بثلاثة أشياء: الأول: البطر، والثاني: الرياء والثالث: الصد عن سبيل الله. ونلحظ أن الله تعالى عبر عن بطرهم بصيغة الاسم الدال على التمكين والثبوت، وعن صدهم بصيغة الفعل الدال على التجدد والحدوث. وقد جاء في تفسير هذه الآية عند القرطبي أن المقصود بالآية: «يعني أبا جهل وأصحابه الخارجين يوم بدر لنصرة العير، خرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف، فلما وردوا الجحفة بعث خُفاف الكناني، وكان صديقا لأبي جهل، بهدايا إليه مع ابن عم له، وقال: إن شئت أمددتك بالرجال، وإن شئت أمددتك بنفسي مع ما خف من قومي، فقال أبو جهل: إنا كنا نقاتل الله كما يزعم محمد، فوالله ما لنا بالله من طاقة، وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن بنا على الناس لقوة، والله لا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرًا فنشرب فيها الخمور، وتعزف علينا القيان، فإن بدرًا موسم من مواسم العرب، وسوق من أسواقهم، حتى تسمع العرب بمخرجنا؛ فتهابنا آخر الأبد، فوردوا بدرًا، ولكن جرى ما جرى من هلاكهم». موقف المشركين لما قدموا إلى بدر: بين سبحانه وتعالى موقف المشركين لما قدموا إلى بدر، قال تعالى: ( إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) [الأنفال: 19]. روى الإمام أحمد عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم -في بدر-: اللهم أقطعُنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه - أي أهلكه: الغداة. فكان المستفتح. ولما وصل جيش مكة إلى بدر دب فيهم الخلاف وتزعزعت صفوفهم الداخلية، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «لما نزل المسلمون وأقبل المشركون، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتبة بن ربيعة وهو على جمل أحمر، فقال: «إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا» وهو يقول: يا قوم أطيعوني في هؤلاء القوم فإنكم إن فعلتم لن يزال ذلك في قلوبكم، ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه وقاتل أبيه، فاجعلوا حقها برأسي وارجعوا، فقال أبو جهل: انتفخ والله سحره، حين رأى محمدًا وأصحابه، إنما محمد وأصحابه أكلة جزور لو قد التقينا. فقال عتبة: ستعلم من الجبان المفسد لقومه، أما والله إني لأرى قومًا يضربونكم ضربًا، أما ترون كأن رؤوسهم الأفاعي وكأن وجههم السيوف..). وهذا حكيم بن حزام يحدثنا عن يوم بدر، وكان في صفوف المشركين قبل إسلامه، قال: خرجنا حتى نزلنا العدوة التي ذكرها الله عز وجل، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي، وهو حليفك فتحمل ديته وترجع بالناس، فقال أنت وذاك وأنا أتحمل ديته، واذهب إلى ابن الحنظلية يعني -أبا جهل- فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك؟ فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: قد فسخت عقدي من عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولا غيرك؟ قلت: لا ولم أكن لأكون رسولاً لغيره قال حكيم: فخرجت مبادرًا إلى عتبة، لئلا يفوتني من الخبر شيء. فهذا عتبة بن ربيعة وهو في القيادة من قريش لا يرى داعيًا لقتال محمد، وقد دعا قريش بترك محمد فإن كان صادقًا فيما يدعو إليه فعزه عز قريش وملكه ملكها، وستكون أسعد الناس به، وإن كان كاذبًا فسيذوب في العرب وتنهيه. ولكن كبرياء الجاهلية دائمًا في كل زمان ومكان لا يمكن أن تترك الحق يتحرك؛ لأنها تعلم أن انتصاره معناه زوالها من الوجود وبقاؤه مكانها وهذا عمير بن وهب الجمحي ترسله قريش ليحرز لهم أصحاب محمد، فاستجال حول العسكر ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني أنظر أللقوم كمين أو مدد، قال: فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئًا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك، فُروا رأيكم. وهذا أمية بن خلف رفض الخروج من مكة ابتداء خوفًا من الموت، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذا غلبتني، فوالله لأشترين أجود بعير بمكة. ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني. فقالت له: أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ تقصد سعد بن معاذ عندما قال له: سمعت رسول الله يقول: إنهم لقاتلوك(انظر: فتح الباري). قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا، فلما خرج أمية أخذ لا يترك منزلاً إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر. ومن دهاء أبي جهل -لعنه الله- أن سلط عقبة بن معيط على أمية بن خلف فأتاه عقبة بمجمرة حتى وضعها بين يديه فقال: إنما أنت من النساء. فقال: قبحك الله. القوة المعنوية لجيش مكة: لقد كانت القوة المعنوية لجيش مكة متزعزعة في النفوس، وإن كان مظهره القوة والعزم والثبات إلا أن في مخبره الخوف والجبن والتردد وكانت لرؤيا عاتكة بنت عبد المطلب أثر على معنويات أهل مكة، فقد رأت في المنام أن رجلاً استنفر قريشًا وألقى بصخرة من رأس جبل أبي قبيس بمكة فتفتت ودخلت سائر دور قريش، وقد أثارت الرؤيا خصومة بين العباس وأبي جهل حتى قدم ضمضم وأعلمهم بخبر القافلة فسكنت مكة وتأولت الرؤيا. كما أن جهيم بن الصلت بن المطلب بن عبد مناف رأى رؤيا عندما نزلت قريش الجحفة، فقد رأى رجلاً أقبل على فرس حتى وقف، ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وفلان وفلان، فعدد رجالاً من أشراف قريش، ثم رأيته ضرب في لبة بعيره، ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه، فلما بلغت أبا جهل هذه الرؤيا، قال: وهذا أيضا نبي من بني المطلب، سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا. كانت تلك الرؤى قد ساهمت بتوفيق الله في إضعاف النفسية القرشية المشركة. ..
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كيف سُحِرَ النبي صلى الله عليه وسلم ؟ | نزف القلم | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 11 | 11-Nov-2024 06:34 AM |
صفة حوض النبي - صلى الله عليه وسلم . | حسن سعد | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 14 | 19-Dec-2023 07:23 PM |
من عجائب الحب لسيدنا النبي محمد صل الله عليه وسلم | همس الاحساس | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 18 | 15-Sep-2023 01:05 AM |
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الممازحة | هجران | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 12 | 28-Aug-2023 07:32 PM |
الكلام على قول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا سبيل الله | * السلطان * | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 15 | 18-Aug-2023 02:28 PM |