{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} :أرسل الله تعالى عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل مصدقاً للمرسلين من قبله ومبشراً بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم , ليضع لبنته في جدار النور , ويبشر باللبنة النهائية التي يكتمل بها البنيان, ويعلن أمام العالم أن جميل المرسلين أصحاب خط عقائدي واحد , صراط مستقيم لا يتبدل ولا يتغير.فلما جاءهم الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بالبينات الواضحات كفروا به ووصموا دعوته بالسحر والكهانة , وأصروا على الكفر والنكران رغم تنبشير عيسى عليه السلام بمحمد ورسالته.قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)}[الصف]قال السعدي في تفسيره:يقول تعالى مخبرا عن عناد بني إسرائيل المتقدمين، الذين دعاهم عيسى ابن مريم، وقال لهم: { {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} }أي: أرسلني الله لأدعوكم إلى الخير وأنهاكم عن الشر، وأيدني بالبراهين الظاهرة، ومما يدل على صدقي، كوني، { {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} } أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماوية، ولو كنت مدعيا للنبوة، لجئت بغير ما جاءت به المرسلون، ومصدقا لما بين يدي من التوارة أيضا، أنها أخبرت بي وبشرت، فجئت وبعثت مصداقا لها { {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} } وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الهاشمي.فعيسى عليه الصلاة والسلام، كالأنبياء يصدق بالنبي السابق، ويبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق، والأمر والنهي { {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} } محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى { بِالْبَيِّنَاتِ } أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، وأنه رسول الله .{ {قَالُوا } } معاندين للحق مكذبين له { {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} } وهذا من أعجب العجائب، الرسول الذي قد وضحت رسالته، وصارت أبين من شمس النهار، يجعل ساحرا بينا سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟ وهل في الافتراء أعظم من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته، وأثبت له ما كان أبعد الناس منه