|
فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى | ||||
#1
|
||||||||
|
||||||||
لماذا احتار ابو بكر الصديق رضي الله عنه
لماذا اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه
عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أميراً للمؤمنين؟ لم يكن ترشيح أبي بكر رضي الله عنه لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه؛ ليكون على رأس هرم الدَّولة - بسبب قَرابة أو صداقة أو مصلحةٍ شخصيَّة أو تجارية، كما لم يكن صفقة سياسيَّة، ولكنه كان ترشيحًا دينيًّا وسياسيًّا، هدفه خدمة الأمَّة الإسلامية ومصلحة دولتها، ولأنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتمتَّع بمؤهلات ومواصفات تفرَّد بها عن أبناء جيله حملتْها سيرتُه الذاتية، وهذه المواصفات التي قَلَّ نظيرها تجعله المرشَّحَ الأول للرِّئاسة، الذي لا يُنافَس ولا يجارى، ولا يَختلف عليه صاحبُ عقل، ومنها: 1- الدِّين؛ ولأن الدولة الإسلامية دولة مدنيَّة دينية، كان من المفروض أن يكون رئيسها على رأس المتدينين والمتَّقين لله سبحانه وتعالى فيها، ويمتاز بالخشية والخوف من الله جلَّ جلاله، ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كذلك؛ فعن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بينا أنا نائم، رأيتُ الناسَ يُعرضون عليَّ وعليهم قُمُص؛ منها ما يبلغ الثُّدِيَّ، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره )، قالوا: فما أوَّلتَ ذلك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( الدِّين )[1]. 2- العلم: ولنفس السبب الذي ذكرنا في (1) أعلاه، فينبغي أن يكون رئيس الدولة عالمًا بقضايا الشَّريعة الفقهية وتفاصيلها، وهي صِفةٌ في عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد تولَّى القضاءَ على عهد أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وأثبت جدارته في ذلك، وقد وصفه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بالعلم؛ فعن ابن عمر قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( بينا أنا نائم، أُتيت بقدح لبن، فشربتُ حتى إنِّي لأرى الريَّ يخرج في أظفاري، ثمَّ أعطيتُ فضلي عمر بن الخطاب )، قالوا: فما أوَّلتَه يا رسول الله؟ قال: (العلم )[2]. 3- الحكمة والعقل الرشيد الخلاق: لقد كان عمر رضي الله عنه يمتلك عقلًا لا يضاهيه فيه أحد، وحِكمتُه أعجبتْ كلَّ مَن رآه أو سمِع منه، فهو يضع الأمورَ في نصابها، ويزِنُها بميزان حكمته بقدرها الذي لا تتجاوزه. لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ذلك النوع الملهَم من الرجال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنَّه قد كان فيما مَضى قبلكم من الأمم مُحدَّثون، وإنَّه إن كان في أمَّتي هذه منهم فإنَّه عمر بن الخطاب )[3]. ولعلَّ الأمر حين يتعلَّق بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، هو أبعد من ذلك؛ فلقد اقترب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مستوى تفكير وتدبير وهموم الأنبياء؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو كان بعدي نبيٌّ لكان عمر بن الخطاب )[4]. بهذه الحكمة البالغة، والعقلِ الراجح، والإلهام الربَّاني الواضح، واللسان الصَّادح بالحق، والمؤيَّد من لدن الله سبحانه وتعالى - كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوافق اللهَ جلَّ جلاله في بعض الأحكام، وعلى مَسمع ومرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وافقتُ ربِّي في ثلاثٍ: فقلتُ يا رسول الله، لو اتَّخذنا من مقام إبراهيم مصلًّى، فنزلت: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، وآية الحجاب، قلتُ: يا رسول الله، لو أمرتَ نساءك أن يحتجبنَ؛ فإنه يكلمهنَّ البَرُّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلتُ لهنَّ: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5]، فنزلتْ هذه الآية"[5]. 4- شجاعته في المعارك وعدم هيبته للأعداء؛ فقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ المشاهد، ولم يتخلَّف عن واحدة منها، وخاصَّة الشديدة منها؛ كبدر، وأُحد، والخندق، والحديبية، وحُنين، وضرب ألوانًا من الشجاعة ورباطة الجأش. ففي يوم أُحد اختلف مع أخيه زيد بن الخطاب رضي الله عنه حول من سيلبس الدرعَ رغبة في الشَّهادة في سبيل الله جل جلاله، فعن ابن عمر: أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأخيه زيد بن الخطاب يوم أُحُد: "خُذ درعي هذه يا أخي"، فقال له: "إنِّي أُريد من الشَّهادة مثلَ الذي تريد، فتركاها جميعًا"[6]. 5- دفاعه عن الإسلام ودولته ونصرته لها بشكل مختلف عن الآخرين بسبب قوَّته في الحقِّ، عندما كان الإسلام غريبًا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحدًا من المسلمين، فيقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة، والله ما استطعنا أن نصلِّي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر"[7]، ويقول رضي الله عنه: "ما زلنا أعزَّة منذ أسلَم عمر"[8]، فكيف إذا كان رئيسًا للدولة ويمتلك القوَّةَ والسلطة والصلاحيات لخدمة دولته ومواطنيها؟ 6- زهده في الدنيا ، وعزوف نفسه عن ملهياتها ومباهجها، فلم يكن رضي الله عنه يعطي أدنى اعتبار للمال، وكان أكله الخَشنَ من الطَّعام، حتى إنَّ ماله الخاص الذي يحصل عليه من بعض ما يغنم في حروب المسلمين يجعله في سبيل الله جلَّ جلاله؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنِّي أصبتُ أرضًا بخيبر لم أصِب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: (إن شئتَ حبستَ أصلها، وتصدَّقتَ بها )، قال: فتصدَّق بها عمر، أنَّه لا يُباع ولا يوهب ولا يورَث، وتصدَّق بها في الفقراء، وفي القُربى، وفي الرِّقاب، وفي سبيل الله، وابنِ السبيل، والضيف لا جُناح على مَن وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متموِّل، قال: فحدَّثتُ به ابن سيرين، فقال: غير متأثِّل مالًا"[9]. ويقول طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه: "ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلامًا ولا أقدمنا هِجرة، ولكنه كان أزهدَنا في الدنيا، وأرغبَنا في الآخرة"[10]. ومن زهده أنه كان لا يعنيه كونه أميرًا للمؤمنين إلَّا بقدر المسؤولية التي وُضعتْ على عاتقه، فقد كان لا يسمح للمسلمين بتقديم فروض الطاعة والولاء والتقرُّب له بسبب إمارته للمؤمنين ورئاسته للدولة؛ بل كان العكس، فقد كان يبحث عن فقراء الأمَّة الإسلامية وصالحيها لمقابلتهم والاستماعِ منهم، وهو مَن يذهب للقائهم وليس العكس، وقد كان من قصَّته مع الرجل الصالح أويس القرني[11]، من اليمن، فقد "كان عمرُ بن الخطَّاب إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن سألهم: أفيكم أُويسُ بن عامرٍ؟ حتى أتى على أُويسٍ فقال: أنت أُويسُ بن عامرٍ؟ قال: نعم، قال: من مُرادٍ ثُمَّ من قرنٍ؟ قال: نعم، قال: فكان بك برَصٌ فبرأت منه إلَّا موضع درهمٍ؟ قال: نعم، قال: لك والدةٌ؟ قال: نعم، قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((يأتي عليكم أُويسُ بن عامرٍ مع أمداد أهل اليمَن، من مُرادٍ ثُمَّ من قرنٍ، كان به برَصٌ فبرأ منه إلَّا موضع درهمٍ، له والدةٌ هو بها برٌّ، لو أقسَم على الله لأبرَّه، فإن استطعتَ أن يستغفر لك فافعل))، فاستغفِر لي، فاستغفر له، فقال له عُمرُ: أين تُريدُ؟ قال: الكُوفة، قال: ألا أكتُبُ لك إلى عاملها؟ قال: أكونُ في غبراء النَّاس أحبُّ إليَّ"[12]. 7- ثَباته رضي الله عنه على الحق، ولو على نفسه وأهلِ بيته، وفي هذا المجال هو لا يداهِن ولا يجامِلُ كائنًا مَن كان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه )[13]. 8- خبرته السياسية الطويلة، المكتسبة من مرافقته وملاصقته لرئيسين قبله، ودوره البارز معهما كمستشار ووَزير قريب من مصدر القرار؛ بل مؤثِّر فيه، كما أنه باشَر أعمالًا كان فيها جنديًّا أو مواطنًا طائعًا؛ مثلما باشر ومارس أعمالًا كان فيها أميرًا على الآخرين؛ فلقد بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أميرًا على سريَّة إلى هوازن سنة 7 من الهجرة. فحين نجمعُ هذه الصِّفات الإيجابية التي كانت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنَّنا نستطيع أن نقول عند ذاك: إنَّ عمر رضي الله عنه كان: (عالمًا فقيهًا، ومتدينًا تقيًّا، ومفكرًا مُلهمًا، وعاقلًا مبدعًا، وحكيمًا حاذقًا، ومستشارًا أمينًا، ومواطنًا مطيعًا، وزاهدًا رقيقًا، وقويًّا حازمًا، وعلى الحق ثابتًا وملازمًا، وعن دولته مدافعًا ومخلصًا، وبالسياسة خبيرًا)). فلا يُلام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، في ترشيح مَن يملك هذه الصِّفات لرئاسة الدولة الإسلاميَّة، وأنا هنا أقول: لو وفَّرت السياسة على مدار العصور مَن يمتلك هذه الصِّفات فيُصدَّر على الناس، فأنا ضامِن بنجاح تلك السياسة. ----------------------------------------------------------------------------------- [1] صحيح البخاري - كتاب الإيمان - باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال. [2] صحيح البخاري - كتاب العلم - باب: فضل العلم. [3] صحيح البخاري - كتاب أحاديث الأنبياء: باب حديث الغار. [4] المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، ومن مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صححه الحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1 / 582). [5] المعجم الكبير للطبراني - من اسمه عبدالله - عبدالله بن مسعود الهذلي. [6] المعجم الأوسط للطبراني - باب العين - باب الميم من اسمه: محمد. [7] صحيح البخاري - كتاب الصلاة أبواب استقبال القبلة - باب ما جاء في القبلة. [8] صحيح البخاري - كتاب المناقب - باب مناقب عمر بن الخطاب، أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه. [9] صحيح البخاري - كتاب الشروط - باب الشروط في الوقف. [10] أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، ج 4، ص 147. [11] قال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء: (أويس القرني: أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني، المرادي اليماني، من سادات التابعين، والأولياء الصالحين، أدرك زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ولكنه لم يلقه، منعه من السفر إليه برُّه بأمه)، وقال عنه الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/ 19): (القدوة الزاهد، سيِّد التابعين في زمانه، كان من أولياء الله المتقين، ومن عباده المخلصين). [12] صحيح مسلم، باب مِن فضائل أُويسٍ القرني رضى الله عنه، ج 7، ص 188، حديث: 6656. [13] صحيح ابن حبان - كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة - ذكر إثبات الله جل جلاله الحق على قلب عمر ولسانه.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم/غزوة حنين | ورد | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 19 | 21-Feb-2024 08:02 AM |
آداب الأخُوَّة في الله وحقوقها | الحر | نفحات ايمانيه | 24 | 04-Jan-2024 07:41 AM |
غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم/غزوة بدر الكبرى | ورد | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 14 | 03-Jan-2024 06:09 PM |
بركة النبي صلى الله عليه وسلم | ورد | قسم الرسول مع حياة الصحابة | 12 | 17-Dec-2023 03:48 PM |
الحب والبغض فى الله | الحر | نفحات ايمانيه | 31 | 28-Nov-2023 08:57 AM |