أسرار الحج ..!!

{ أسرار الحج }

الحمد للهِ السميعِ العليم، العظيم الحليم، القادر الغفَّار، العزيز الجبَّار، مُكوِّرِ الليل على النهار، ومكور النهار على الليل، وأشهد أن لا إله إلا هو المتفرد بالألوهية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النفوس الزكية، وسلَّم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فإننا نستقبل كل عام في شهر ذي الحجة الأيام العشر الأولى منها، التي هي خير أيام الدنيا على الإطلاق؛ فقد قال فيها نبينا عليه الصلاة والسلام: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))
فكل عمل صالح هو مستحَبٌّ ومرغَّب فيه في هذه الأيام، ويعُمُّ ذلك العبادات القلبية والقولية؛ كالذكر من تهليل وتسبيح واستغفار، ويدخل فيها كذلك صلوات التطوع، وصيام النافلة، والصدقات، وغير ذلك مما نَفْعُهُ مُتعدٍّ، ولا شكَّ أن العبادة التي نفعُها متعدٍّ للغير أفضلُ للمسلم.
وإن شعيرة الحج من أعظم أعمال ذي الحجة؛ التي قد قال الله تعالى فيها: ï´؟ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ï´¾ [الحج: 27]، فقد بيَّنت هذه الآية عِظَمَ هذه الشعيرة عند الله؛ وقد وَرَدَ معنى الحج في اللغة بأنه: "كثرة القصد لمعظَّم"
وأما عن فضل الحج في السنة النبوية؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حَجَّ هذا البيت، فلم يرفُثْ، ولم يفْسُق، رجع كما ولدته أمه))
ولعِظَمِ هذه الشعيرة في نفوس المسلمين، وتعلُّقهم بالبيت العتيق، سأذكر بعض الأسرار في هذا الركن الإسلامي العظيم؛وهي على النحو الآتي:
1- أن الحج سفر الروح والبدن إلى الله تعالى، فالحاجُّ يترك ضَيْعَتَه وماله وعياله، ويسافر بقلبه مُقْبِلًا على ربه، وهذا دليلٌ على صدق إيمانه.
2-أن الحج يذكِّرنا بالسفر من دار الدنيا إلى دار الآخرة التي هي دار القرار، فإن الناس جميعًا مسافرون، وسيحُطُّون رحالهم في الدار الآخرة، أما زادهم فالعمل الصالح، ويا خَسارَ من لا زادَ له؛ قال تعالى: ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة: 197].
3- أن لباس الإحرام يذكِّر الحُجَّاج بالكفن الذي سيُكفَّن به عند موته، والكفن ليس فيه جيوب، وهذا يدل على أن العبد يغادر الدنيا كما جاء إليها، صِفرًا من أي شيء، إلا من عمله الصالح.
4- من أسرار الحج المنافعُ التي يحصِّلها الحُجَّاج من التعارف وتبادل الخبرات والتجارة، وغير ذلك؛ قال الله سبحانه وتعالى: ï´؟ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ï´¾ [الحج: 28].
5- التجلِّيات الإيمانية للحُجَّاج يوم عرفة؛ حيث إنهم يشعرون بشعور إيماني غريب لا يعيشون مثله في مكان آخر، وهذا يرجع لقدسية المكان؛ قال ابن تيمية: "الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة، والنور والبركة، ما لا يمكن التعبير عنه"؛ ا.ه.

6- شغف الحجاج وحبهم لهذه الشعيرة؛ حيث إنك تجد جموع الحجيج على صعيد عرفات كل عام قد لبَّوا أمرَ الله؛ وحالهم كما قال الشاعر:

روحٌ دعاها للوصال حبيبها
فسعت إليه تُطيعه وتُجيبُه

يا مُدَّعي صدق المحبة هكذا
فِعْلُ الحبيب إذا دعاه حبيبُه

7- أن جموع الحُجَّاج عند البيت وفي مِنًى وعرفات والمزدلفة يُذكِّرنا بذلك اليوم الرهيب الذي تشيب له نواصي الوِلْدَانِ، وتذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، إنه يذكِّرنا بيوم القيامة، اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، فيا له من يوم عظيم، يذكِّرنا به الحج الذي هو صورة مصغَّرة عن يوم القيامة.
8- في الحج يترك الحاج جميع أعماله الروتينية من العادات التي كان يفعلها في بلده، فهو فرصة لترك كل عمل لا ينفع، وحثٌّ على الاشتغال بالنافع من الأقوال والأعمال، ومن ثَمَّ فإن الحاج يترك الرفاهية التي كان متعودًا عليها، فلا يتعطر، ولا يتزين بالتمشيط والدهن، بل يكون شعثًا مُغْبرًّا بين يدي مولاه تبارك وتعالى.
9- في الحج تذكير للإنسان بقيمة نفسه، وأنه عبد ذليل بين يدي مولاه، فلا يتكبر على خَلْقِ الله، فمن استشعر مقام الخلق في صعيد واحد يطلبون من الله التوفيق والرشاد، يلِنْ قلبه، وتنفكَّ عُقَدُ الكِبْرِ منه، ويراجع حساباته.
10- اللون الأبيض في الحج يذكِّرنا بالنقاء؛ نقاء القلوب، نقاء النفوس من الحسد والغل والكراهية، والحقد، نقاء الأعمال من الرياء، نقاء حياتنا من المعاصي، عندها يتذكر العبد أنه لا بد من تخليص قلبه من كل هذه الأمراض والشوائب التي تحجب العبد عن التلذذ بمناجاة مولاه.
11- أن الحج سبب للرزق، وتوسيع العيش؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإن متابعةً بينهما يَنْفِيان الفقر والذنوب كما ينفي الكِيرُ الخَبَثَ))
12- في الحج يتذكر الحاجُّ أنه ضيف الرحمن، وأنه وافد على مولاه، فلا يتصرف تصرفًا يُخِلُّ بأدبه مع الله عز وجل، فيتحمل المشاقَّ في سبيل الله ولأجل الله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحُجَّاج والعُمَّار وَفْدُ الله، إن دعَوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم))
13- في الحج يتذكر الحاج عاقبة الظالمين الذين بقيت بعض آثارهم في الفلاة، فإذا مرَّ بديار الظالمين من السابقين ممن كذبوا المرسلين يدخل في قلبه من العِبرة والعِظة مما حلَّ بهم، الشيءُ الكثيرُ؛ فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لما مرَّ بديار ثمود: ((لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم))
هذا غيضٌ من فيض مما في الحج من أسرار تبقى ماثلة أمام أصحاب القلوب النقية، التي عمرت بالتقوى والإيمان، اللهم لا تحرمنا حج بيتك الحرام، واجعلنا ممن خضع لك قلبه، وفاضت لك عيناه، اللهم آمين،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين ..
*****************************

غَيْم..! ,مستثناه ,الحر و 1 آخرون معجبون بهذا

دانه البحر