تأملات في سورة البينة - منتديات أحاسيس الليل

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ إعلانات احاسيس الليل ) ~
 
   

فـعـآلـيـآت آلـمـنـتـدى


الإهداءات



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-Dec-2022, 07:44 PM
الحر متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
لوني المفضل Gray
 رقم العضوية : 293
 تاريخ التسجيل : Apr 2022
 فترة الأقامة : 961 يوم
 أخر زيارة : اليوم (10:07 AM)
 المشاركات : 611,811 [ + ]
 التقييم : 304092
 معدل التقييم : الحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond reputeالحر has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]

اوسمتي

افتراضي تأملات في سورة البينة



تأملات في سورة البيِّنة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..
فمن سور القرآن الكريم التي تحتاج منا إلى وقفة تأمل وتدبر: سورةُ البينة، قال تعالى: ï´؟ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ï´¾ [البينة: 1-8].
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: ï´؟ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ï´¾"، قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ:"نَعَمْ"، فَبَكَى [1].
قوله تعالى: ï´؟ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ï´¾: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، سموا بذلك لأن صحفهم بقيت إلى أن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما فيها من التحريف والتبديل والتغيير، فاليهود لهم التوراة، والنصارى لهم الإنجيل.
والمشركون هم عبدة الأوثان من كل جنس، من بني إسرائيل ومن غيرهم، ولقد أخبر الله عن أهل الكتاب أنهم كانوا يستفتحون على العرب بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث، أي يستنصرون به على مشركي العرب ويتحرون ظهوره لما هو مكتوب عندهم في كتبهم، فيتبعونه بزعمهم، قال تعالى: ï´؟ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 89].
كما أخبر الله عن المشركين أنهم يقسمون أنه إذا بعث فيهم رسول أن يتبعوه، قال تعالى: ï´؟ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ï´¾ [فاطر: 42].
قوله تعالى: ï´؟ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ï´¾: أي تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر حتى تأتيهم البينة، ثم فسر البينة بقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً: يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتوب في الملأ الأعلى في صحف مطهرة، كقوله: ï´؟ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَة ï´¾ [عبس: 12-16].
قوله تعالى:ï´؟ صُحُفًا مُطَهَّرَةً ï´¾: أي منزهة من الباطل والتحريف، فالقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ï´¾ [فصلت: 41-42]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ï´¾َ [الحجر: 9].
قوله تعالى: ï´؟ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ï´¾: قال إمام المفسرين ابن جرير - رحمه الله -: "أي: وما تفرق اليهود والنصارى في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - فكذبوا به ï´؟ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ï´¾، يعني: بيان أمر محمد أنه رسول بإرسال الله إياه إلى خلقه، يقول: فلما بعثه الله تفرقوا فيه، فكذب به بعضهم، وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير مفترقين فيه أنه نبي"[2]، كما قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ï´¾ [آل عمران: 105].
قوله تعالى: ï´؟ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ï´¾: يقول تعالى: وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى - الذين هم أهل الكتاب - إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين، أي مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعة ربهم بشرك، فأشركت اليهود بربها بقولهم: إن عزيرًا ابن الله، والنصارى بقولهم في المسيح مثل ذلك، وجحودهم نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ï´؟ حُنَفَاءَ ï´¾: أي متحنفين[3] عن الشرك إلى التوحيد، كقوله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾ [النحل: 36].
"وخص الصلاة والزكاة [بالذكر] مع أنهما داخلان في قوله: ï´؟ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ï´¾ لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين"[4].
قوله تعالى: ï´؟ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ï´¾ أي الملة المستقيمة العادلة، وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان، ولهذا قال: ï´؟ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ï´¾.
قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ï´¾ [البينة: 6] قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وهذا يقتضي أن اليهود والنصارى كفار حين لم يؤمنوا برسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن قالوا: أنهم مؤمنون بالله واليوم الآخر، ويدعون لموتاهم بالرحمة وما أشبه ذلك من العبادات التي يتزلفون بها، فإنهم كاذبون، إذ لو كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر لآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بل لآمنوا برسلهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وجد وصفه في التوراة والإنجيل، كما قال تعالى: ï´؟ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾ [الأعراف: 157]. بل إن عيسى عليه السلام قال لبني إسرائيل: ï´؟ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ï´¾ [الصف: 6]. فلما جاء هذا الرسول الذي بشر به عيسى بالبينات قالوا: هذا سحر مبين، وكذبوه ولم يتبعوه، إلا نفرًا قليلًا من اليهود والنصارى آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - واتبعوه"[5].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"[6].
قوله تعالى: ï´؟ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ï´¾: "وسميت جهنم لبعد قعرها وسوادها، فهو مأخوذ من الجهمة، وقيل: إنه اسم أعجمي عرَّبته العرب، وهو اسم من أسماء النار.
قوله تعالى: ï´؟ أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ï´¾أي: شر الخليقة لأن البرية هي الخليقة، وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من اليهود والنصارى والمشركين، شر الخلائق، وقد بين الله ذلك تمامًا في قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأنفال: 55]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ï´¾ [الأنفال: 22، 23]، وإذا كانوا هم شر البرية، فلن نتوقع منهم إلا كل شر؛ لأن الشرير ينبثق منه الشر، ولا يمكن أبدًا أن نحسن الظن بهم"[7].
قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ï´¾ لما ذكر في الآيات السابقة حال الأشقياء من الكفرة من المشركين واليهود والنصارى، ذكر حال المؤمنين الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بأبدانهم، فأخبر أنهم خير البرية، وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة لقوله ï´؟ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ï´¾.
قوله تعالى: ï´؟ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ï´¾ جمعها لاختلاف أنواعها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الجنات: "جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، وَآنِيَتُهُمَاوَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، وَآنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا"[8]. وإلى هذا يشير قول الله تعالى: ï´؟ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ï´¾ [الرحمن: 46]، ثم ذكر أوصاف هاتين الجنتين، ثم قال عز وجل: ï´؟ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَان ï´¾ِ [الرحمن: 62]. والجنات التي ذكرها جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات، هي عبارة عن منازل عظيمة أعدها الله عز وجل للمؤمنين المتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولا يمكن لإنسان في الدنيا أن يتصور كيف نعيم الآخرة أبدًا، لأنه أعلى وأجل مما يتصور، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، لكن الحقائق تختلف اختلافًا عظيمًا.


ثم قال عز وجل: ï´؟ جَنَّاتُ عَدْنٍ ï´¾ العدن بمعنى الإقامة في المكان وعدم النزوح عنه، ومن تمام نعيم أهل الجنة أن كل واحد منهم لا يطلب تحولًا عما هو عليه من النعيم، لأنه لا يرى أن أحدًا أكمل منه، ولا يحس في قلبه أنه في غضاضة بالنسبة لمن هو أرقى منه وأكمل، قال تعالى: ï´؟ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ï´¾ [الكهف: 108]، أي تحولًا عما هم عليه لأن الله قد أقنعهم بما أعطاهم فلا يجدون أحدًا أكمل نعيمًا منهم.
ثم قال تبارك وتعالى: ï´؟ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ï´¾، قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها، وإلا فهو على سطحها وليس أسفل، إنما هو من تحت هذه القصور والأشجار، والأنهار بيَّنها الله تعالى بقوله: ï´؟ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ï´¾ [محمد: 15].
روى ابن أبي الدنيا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض؟ لا والله، إنها لسائحة على وجه الأرض، إحدى حافتيها اللؤلؤ، والأخرى الياقوت، وطينه المسك الأذفر، قال: قلت: ما الأذفر؟ قال: الذي لا خلط له[
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "أنها الجنة تفجر من جبل من مسك"[10].
وذكر ابن القيم - رحمه الله - في كتابه حادي الأرواح عن سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله تعالى: ï´؟ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ï´¾ [الواقعة: 31]، قال: أنهار تجري في غير أخدود[11].
فالآثار السابقة تدل على أن النهر يجري على سطح الأرض يتوجه حيث وجهه الإنسان، ولا يحتاج شق خنادق ولا إلى بناء أخدود تمنع سيلان الماء يمينًا وشمالًا، وفي هذا يقول ابن القيم - رحمه الله - في كتابه النونية:

أَنْهَارُهَا مِنْ غَيْرِ أُخْدُودٍ جَرَتْ ♦♦♦ سُبْحَانَ مُمْسِكُهَا عَنِ الفَيَضَانِ



قوله تعالى: ï´؟ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ï´¾ أي: ماكثين فيها أبدًا، لا يموتون، ولا يمرضون، ولا يهرمون، ولا يبأسون، ولا يألمون، ولا يحزنون، ولا يمسهم فيها نصب، فهم في أكمل النعيم دائمًا وأبدًا أبد الآبدين، كما صحت بذلك الأحاديث. ï´؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ï´¾ وهذا أكمل نعيم أن الله تعالى يرضى عنهم فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط بعده أبدًا.


قوله تعالى: ï´؟ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ï´¾ [البينة: 8]، أي ذلك الجزاء لمن خشي الله تعالى، والخشية هي خوف الله المقرون بالهيبة والتعظيم، ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ï´¾ [فاطر: 28]، فالخشية أخص من الخوف، والفرق بينهما يتضح بالمثال: إذا خفت من شخص لا تدري هل هو قادر عليك أم لا؟ فهذا خوف، وإذا خفت من شخص تعلم أنه قادر عليك فهذه خشية[12].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] صحيح البخاري برقم 3809، وصحيح مسلم برقم 799.
[2] تفسير ابن جرير - رحمه الله - (10/ 8726).
[3] الحنفاء: جمع حنيف، وهو المائل إلى الإسلام الثابت عليه، والحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيمﮓ، وأصل الحنف الميل. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 451).
[4] تفسير الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله - ص890.
[5] تفسير جزء عم ص283.
[6] برقم 153.
[7] تفسير جزء عم ص283-284.
[8] صحيح البخاري برقم 4878، وصحيح مسلم برقم 180.
[9] ص90، قال الشيخ الألباني - رحمه الله - كما في السلسلة الصحيحة حديث رقم 2513: الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي، لا سيما وقد صح المرفوع من الطريق الأولى، وذكرها.
[10] مصنف ابن أبي شيبة (7/ 33958)، وذكره ابن القيم - رحمه الله - في كتابه حادي الأرواح وقال: موقوف صحيح (1/ 385).
[11] ص165، وقال الشيخ الألباني - رحمه الله -: إسناده مقطوع صحيح.
[12] انظر: تفسير جزء عم للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ص280-287، وتفسير ابن جرير الطبري - رحمه الله - (10/ 8726)، وتفسير ابن كثير - رحمه الله - (14/ 420-425)، وتفسير جزء عم وأحكامه وفوائده للشيخ عبدالرحمن البراك والشيخ عبدالمحسن العسكر ص245-251.

د. أمين بن عبدالله الشقاوي



 توقيع : الحر

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
قديم 09-Dec-2022, 08:28 PM   #2


عاشق الغيم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 361
 تاريخ التسجيل :  Sep 2022
 العمر : 24
 أخر زيارة : 10-Mar-2023 (02:08 AM)
 المشاركات : 8,836 [ + ]
 التقييم :  26681
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



جَزاك الله جنّةٌ عَرضهَا السموَاتِ والأَرض
وَ لا حَرمك الأجر يَارب


 
 توقيع : عاشق الغيم

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 09-Dec-2022, 08:41 PM   #3


الحر متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 293
 تاريخ التسجيل :  Apr 2022
 أخر زيارة : اليوم (10:07 AM)
 المشاركات : 611,811 [ + ]
 التقييم :  304092
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Gray

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



سعــدت بـ توآجدكـ هنــآ
شكري والتقدير


 
 توقيع : الحر

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 02:59 AM   #4


* السلطان * غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 263
 تاريخ التسجيل :  Feb 2022
 أخر زيارة : 02-Oct-2024 (10:38 AM)
 المشاركات : 189,423 [ + ]
 التقييم :  154198
لوني المفضل : Brown

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



بارك الله فيك

وجزاك الله خير

الجزاء


 
 توقيع : * السلطان *

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 10:30 AM   #5


غَيْم..! متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4
 تاريخ التسجيل :  May 2021
 أخر زيارة : اليوم (09:08 PM)
 المشاركات : 880,858 [ + ]
 التقييم :  475749
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : White

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك .


 
 توقيع : غَيْم..!

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 11:46 AM   #6


الحر متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 293
 تاريخ التسجيل :  Apr 2022
 أخر زيارة : اليوم (10:07 AM)
 المشاركات : 611,811 [ + ]
 التقييم :  304092
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Gray

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة * السلطان * مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك

وجزاك الله خير

الجزاء



سعــدت بـ توآجدكـ هنــآ
شكري والتقدير


 
 توقيع : الحر

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 11:55 AM   #7


الحر متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 293
 تاريخ التسجيل :  Apr 2022
 أخر زيارة : اليوم (10:07 AM)
 المشاركات : 611,811 [ + ]
 التقييم :  304092
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Gray

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غَيْم ..! مشاهدة المشاركة
جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك .


سعــدت بـ توآجدكـ هنــآ
شكري والتقدير


 
 توقيع : الحر

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 02:11 PM   #8


عشق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 107
 تاريخ التسجيل :  Aug 2021
 أخر زيارة : 27-Oct-2024 (07:25 PM)
 المشاركات : 236,174 [ + ]
 التقييم :  37581
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 SMS ~
لوني المفضل : Aliceblue
افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ


 
 توقيع : عشق

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 02:52 PM   #9


عطر المساء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 381
 تاريخ التسجيل :  Oct 2022
 أخر زيارة : 14-May-2024 (11:01 PM)
 المشاركات : 11,475 [ + ]
 التقييم :  57173
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : White

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



جزاك الله خير الجزاء
الله يعطيك العافية على الطرح المميز
ودي لك وأحترامي


 
 توقيع : عطر المساء

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 10-Dec-2022, 04:08 PM   #10


سلطانة الزين متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 83
 تاريخ التسجيل :  Jul 2021
 أخر زيارة : 29-Nov-2024 (02:04 AM)
 المشاركات : 72,044 [ + ]
 التقييم :  51727
 الدولهـ
Lebanon
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Mediumspringgreen

اوسمتي

افتراضي رد: تأملات في سورة البينة



جزاك الله كل الخير


 
 توقيع : سلطانة الزين

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تأملات في سورة النساء (1) / فريق المسك سحآب أحاسيس القران وعلومه 6 30-Nov-2023 09:59 PM
تأملات في سورة الحجر نزف القلم أحاسيس القران وعلومه 7 13-Nov-2023 04:39 PM
تأملات في آيات من القرآن الكريم - سورة النحل نزف القلم أحاسيس القران وعلومه 6 13-Nov-2023 04:39 PM
تأملات في سورة الناس الحر أحاسيس القران وعلومه 24 06-Aug-2023 11:53 PM


الساعة الآن 10:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع ما يطرح في منتديات أحاسيس الليل لا يعبر عن رأي الموقع وإنما يعبر عن رأي الكاتب
وإننــے أبرأ نفســے أنا صاحبة الموقع أمامـ الله سبحانه وتعالــے من أــے تعارف بين الشاب والفتاة من خلال أحاسيس الليل
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009