للمؤمنين في شهر رمضان المعظم العديد من العادات والتقاليد التي تختلف باختلاف البلد الذي يعيشون فيه، فإضافة إلى الفروض والطاعات التي يدعو الدين إلى الالتزام بها في شهر رمضان، تفرض الثقافات المختلفة عاداتها وتقاليدها على سلوكيات المؤمنين خلال الشهر الكريم.
وبين ماليزيا وتايلاند وسنغافورة والهند اختلفت تفاصيل العادات والتقاليد في الاحتفال برمضان، ولكن الجامع بينها التعبّد لله والصلاة وسيادة الشعور بالسعادة مهما كانت طبقة الصائم الاجتماعية.
الهند
لشهر رمضان في الهند طقوس وعادات تعكس ثراءها التاريخي وغناها الإثني والديني. ففي الأحياء ذات الغالبية المسلمة في دلهي، وحيدر آباد، وكلكوتا، وكشمير، ومومباي تنتشر الاحتفالات وتضع المحالّ والمطاعم الزينة مرحّبة بالشهر الفضيل.
يستيقظ المؤمنون على صوت المسحراتي الذي يطوف بسيارته المجهّزة بالميكروفون يدعوهم إلى السحور الذي يتناولون خلاله وجبة خفيفة، يطلقون عليها باللغة الهندية «سهري» أي السحور، ثم يؤدون صلاة التهجّد قبل التوجّه إلى المساجد لأداء صلاة الفجر.
وخلال شهر رمضان يرتدي المؤمنون كورتا وهو زيّ تقليدي أثناء توجّههم إلى المسجد.
وعندما يحلّ موعد الإفطار، يتناول الصائمون حبّة تمر أسوةً بما كان يفعله الرسول محمد (ص)، ثم يقيمون مائدة عامرة. وبعد الإفطار يتوجّه المؤمنون لأداء صلاة المغرب، إضافةً إلى صلاة التراويح.
يشتهر رمضان في الهند بحلوياته، وينتظر الكثير من غير المسلمين بصبر قدوم هذا الشهر لتناول أطباق رمضان المميزة ولا سيّما طبق «حليم» الشهير، وهو عبارة عن حساء مكوّن من القمح واللحم والبقول ويعدّ جزءاً لا يتجزأ من وجبة الإفطار في كل بيت مسلم. فضلاً عن أنه حساء لذيذ الطعم وصحّي منتشر في عدد من الدول الأخرى مثل باكستان وبنغلادش ودولة الإمارات العربية وغيرها من الدول الإسلامية.
ومع بداية شهر رمضان تزداد مبيعات الشعرية، وهي حلوى رئيسية خلال رمضان. ومن الحلويات المنتشرة في شهر رمضان «الخجلا»، و«الفيني»، والشعرية بالحليب والسكر.
تايلاند
يبلغ عدد المساجد في تايلاند 1830 مسجداً تضاء بالأنوار والزينة عند حلول شهر رمضان. ومن العادات الشائعة عند مؤمني تايلاند أنه عندما يحين وقت الإفطار تُقرع الطبول الكبيرة، ويسمّى الذي يضرب عليها «البلال».
ثمّ يشربون شراباً مكوّناً من السكر وجوز الهند. والشوربة أشهر الأطباق التي تحضّر خلال رمضان وهو يشبه طبق الكوارع عند أهل مصر.
يحرص المؤمنون في تايلاند خلال رمضان على تعلّم القرآن الكريم، والاستزادة من تلاوته.
ويُحمل حفظة القرآن على الاكتاف ويُطاف بهم في شوارع المدينة في تظاهرات حافلة تشجيعاً لهم، كما يحتفلون بذبح الخراف.
أما الفقراء فيكتفون بنوع من الطيور. ولا تتناول العائلة المسلمة فطورها وحدها في البيت بل يخرج جميع أفراد العائلة ويجلسون في الباحات القريبة من منازلهم حلقات متفرقة، منها الخاصة بالرجال والأخرى بالنساء.
واللافت أن الرجل لا يأكل من الأطباق التي حضّرتها زوجته بل يقدّمها الى جاره وهكذا يفعل الجميع. والمسلم التايلاندي لا يمضي رمضان خارج بيته بل كل مسافر لا بد له من العودة ليمضي رمضان مع عائلته.
سنغافورة
وخلال شهر رمضان في سنغافورة تُزيّن الأحياء بالزينة الورقية الملوّنة، بالإضافة إلى الزينة الكهربائية المضيئة التي تتلألأ ليلاً وتتخذ شكل المآذن والمساجد في شارع العرب والحيّ الماليزي، تماماً كما نرى في الأزهر والحسين.
في شهر رمضان تعقد حلقات الذكر وحفظ القرآن وتفسيره حتى أذان صلاة المغرب وبعض الناس يتناولون الإفطار في المسجد بعد أداء صلاة المغرب، فيما تذهب الأسر التي تتناول إفطارها في البيت، إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح في مسجد «السلطان» أحد أكبر المساجد في سنغافورة، حيث تصلّي النساء في الطبقة العلوية فيما يصلي الرجال في الطبقة الأرضية. ويحرص الرجال على ارتداء طواقي الصلاة الماليزية المصنوعة من القطيفة المزركشة، بينما ترتدي النساء زياً أقرب لأن يكون زيّاً موحّداً لونه أبيض وخمار مذيّل بتطريز لزهور ونباتات ملوّنة.
وبعدها تُعقد حلقات الدرس وتفسير القرآن مع شيخ المسجد أو أي شيخ آخر يترجم مضمون القرآن من العربية إلى الملاوية. يتناول السنغافوري الصائم بعضاً من حبّات التمر الإيراني والعصائر عند سماع أذان المغرب ويقوم للصلاة ثم بعدها يتناول إفطاره.
وتتكوّن مائدة الإفطار من: معكرونة مقلية أو محمرة بالصلصة: سمبوسا لحم دجاج مشوي. سلطة خضار تتكون من: لحم وقلقاس ومعهما الكبدة، وتطبخ مضافاً إليها الصلصة والفول السوداني. وتسمّى هذه الأطباق «روجا هند».
ماليزيا
في ليلة التاسع والعشرين من شهر شعبان يتحرّى بعض الماليزيين رؤية هلال رمضان. واحتفاءً بهذا الشهر الكريم يقوم وزير الشؤون الدينية بنفسه بالتماس هلال رمضان، وحالما يظهر الهلال، يستقبل المؤمنون كلهم بفرح وسرور إعلان بداية الشهر، فيخرجون إلى المساجد في جماعات، رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً، ويؤدّون صلاة التراويح، وبعدها يعود الجميع إلى بيوتهم لإعداد وجبات السحور.
ويتعاهد أفراد الأسرة الماليزية على قراءة القرآن كاملاً في البيوت خلال شهر رمضان، ويصبح الشغل الشاغل للجميع قراءة القرآن وارتياد المساجد.
أما البلديات فترش الشوارع الرئيسية، وتنظف الساحات العامة، وتعلّق أسلاك الزينة والمصابيح الكهربائية في الشوارع.
في رمضان يحرص الصبية في ماليزيا على ارتداء ملابسهم الوطنية، فيضعون على رؤوسهم القبّعات المستطيلة، فيما ترتدي الفتيات الملابس السابغة الطويلة الفضفاضة، ويضعن على رؤوسهن الحجاب الشرعي.
والحكومة الماليزية تهتم بشهر رمضان، بتشجيع المؤمنين على العمل والنشاط والإنتاج في رمضان، وترصد لأجل ذلك الحوافز والجوائز خلال هذا الشهر.
تحرص المساجد على إشعال البخور طوال أيام شهر رمضان، وكذلك يقوم بعض الموسرين برش العطور والروائح الزكيّة في المساجد، تقديرًا منهم لمكانة هذا الشهر في نفوسهم.
وتفتح المساجد أبوابها طوال هذا الشهر المبارك آناء الليل وأطراف النهار، ولا تغلق مطلقاً، على خلاف بقية أيام السَّنة. وعند صلاة المغرب يُحضر أهل الخير بعض المأكولات والمشروبات، فتوضع على مفارش طويلة في الأروقة، وتكون الدعوة عامة ومفتوحة للجميع للمشاركة في تناول طعام الإفطار.
وعند اقتراب موعد أذان المغرب يتوجّه الرجال والأطفال إلى المساجد القريبة من منازلهم، فيما تبقى النساء في المنازل لتحضير طعام الإفطار. ومع أذان المغرب، يفطر الرجال في المساجد على شراب محلّي يعدّونه مع بعض التمر، ثم يؤدون صلاة المغرب، ويعودون إلى بيوتهم لتناول طعام الإفطار مع عائلاتهم. ثم يخرج الجميع لأداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد.