الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل من كتاب: "المنتقى للحديث في رمضان" قَالَ اللهُ تَعَالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ} .
وعَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتَمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لما نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إلى عِقَالٍ أَسْوَدَ – أَيْ: حَبْلٍ أَسْوَدَ – وَإِلى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُما تَحْتَ وِسَادَتي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ في اللَّيلِ فلا يَسْتَبِينُ لي، فَغَدَوْتُ على رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرْتُ له ذَلكَ، فقَالَ: ((إنَّما ذَلكَ سَوادُ اللَّيل وبَيَاضُ النَّهَارِ))؛ متفق عليه[1].
الفوائد والأحكام:
الأول: حِرْصُ الصَّحَابَةِ - رَضيَ الله عَنْهُم - على تَطْبِيقِ الأَوامِرِ الرَّبَّانيَّةِ، والمُبادَرَةِ للعَمَلِ بمَا يتَنَزَّلُ عَلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ القُرآنِ؛ وجَاءَ في بَعْضِ رِواياتِ الحَديثِ أنَّ عَدِيًّا - رضي الله عنه - قَالَ: يا رَسُولَ الله، قَدْ حَفِظْتُ كلَّ شيءٍ أَوْصَيْتَنِي به غَيرَ الخيْطِ الأَبْيَضِ مِنَ الخيْطِ الأَسْوَدِ، إنِّي بِتُّ البَارِحَةَ مَعِي خَيْطَانِ أَنظُرُ إلى هَذَا مَرَّةً وإلى هَذَا مَرَّةً، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقَالَ: ((إنَّما الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخيْطِ الأَسْوَدِ الَّذي في السَّمَاءِ))[2]، وبَلَغَ مِنْ حِرْصِ عَدِيٍّ - رضي الله عنه - وَعِنَايَتِهِ بِهَذَا الأَمْرِ أَنْ جَعَلَ العِقَالَينِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ[3].
الثاني: عَدَمُ تَكَلُّفِ الصَّحَابَةِ - رَضيَ اللهُ عَنْهُم - في السُّؤَالِ، إلا إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيهِمُ المسَائِلُ الَّتي تَتَعَلَّقُ بعبَادَتِهِم؛ ولذلِكَ اجْتَهَدُوا في فَهْمِ الآيَةِ القُرْآنِيةِ، فلما أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ ذَلكَ سَألُوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهَكذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ المُسلمُ مُمْتَثِلاً للنُّصُوصِ، غَيْرَ مُتَكَلِّفٍ لِلسُّؤَالِ، وَيَسْألُ عَما أَشْكَلَ عَلَيهِ مما يَتَعلَّقُ بِالعَمَلِ الَّذي يُقرِّبُهُ إلى الله تَعَالى.