تفسير سورة الفاتحة لابن كثير ( الجزء الرابع)
..
ذكر أقوال السلف في الحمد
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا حفص عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله, فما الحمد لله, فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه, ورواه غير أبي معمر عن حفص فقال: قال عمر لعلي ـ وأصحابه عنده ـ: لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر قد عرفناها فما الحمد لله ؟ قال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه ورضيها لنفسه وأحب أن تقال, وقال علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران: قال ابن عباس: الحمد لله كلمة الشكر وإذا قال العبد الحمد لله قال: شكرني, عبدي رواه ابن أبي حاتم, وروى أيضاً هو وابن جرير من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال الحمد لله هو الشكر لله هو الاستخذاء له والإقرار له بنعمته وهدايته وابتدائه وغير ذلك, وقال كعب الأحبار: الحمد لله ثناء الله, وقال الضحاك: الحمد لله رداء الرحمن, وقد ورد الحديث بنحو ذلك.
قال ابن جرير: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك, وقد روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا روح حدثنا عوف عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال: «أما إن ربك يحب الحمد» ورواه النسائي عن علي بن حجر عن ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن الأسود بن سريع به. وروى أبو عيسى الحافظ الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الذكر لا إله إلا الله, وأفضل الدعاء الحمد لله» وقال الترمذي حسن غريب, وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ» وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله كان الحمد لله أفضل من ذلك» قال القرطبي وغيره أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لله لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى قال الله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أمل} وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها, قال الله, وهو أعلم بما قال عبده, ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما «اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها» وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا قول العبد الحمد لله رب العالمين أفضل من قوله لا إله إلا الله لاشتمال الحمد لله رب العالمين على التوحيد مع الحمد, وقال آخرون لا إله إلا الله أفضل لأنها تفصل بين الإيمان والكفر وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الاَخر: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وقد تقدم عن جابر مرفوعاً «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله» وحسنه الترمذي والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله» الحديث.
والرب هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح وكل ذلك صحيح في حق الله ولا يستعمل الرب لغير الله بل بالإضافة تقول: رب الدار, رب كذا, وأما الرب فلا يقال إلا الله عز وجل, وقد قيل إنه الاسم الأعظم. والعالمين جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عز وجل والعالم جمع لا واحد له من لفظه, والعوالم أصناف المخلوقات في السموات وفي البر والبحر وكل قرن منها وجيل يسمى عالماً أيضاً. قال بشر بن عمار عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس {الحمد لله رب العالمين} الحمد لله الذي له الخلق كله السموات والأرض وما فيهنّ وما بينهن مما نعلم ومما لا نعلم. وفي رواية سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس: رب الجن والإنس, وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج وروي عن علي نحوه قال ابن أبي حاتم بإسناده لا يعتمد عليه, واستدل القرطبي لهذا القول بقوله تعالى: {ليكون للعالمين نذير} وهم الجن والإنس. قال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم عالم. وعن زيد بن أسلم وأبي محيصن العالم كل ما له روح ترفرف. وقال قتادة: رب العالمين كل صنف عالم, وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد وهو أحد خلفاء بني أمية وهو يعرف بالجعد ويلقب بالحمار أنه قال خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السموات وأهل الأرض عالم واحد وسائرهم لا يعلمهم إلا الله عز وجل.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {رب العالمين} قال الإنس عالم وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف أو أربعة عشر ألف عالم ـ هو يشك ـ الملائكة على الأرض وللأرض أربع زوايا, في كل زاوية ثلاثة ألاف عالم وخمسمائة عالم خلقهم الله لعبادته. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الفرات, يعني ابن الوليد, عن معتب بن سمي عن سبيع يعني الحميري في قوله تعالى: {رب العالمين} قال: العالمين ألف أمة فستمائة في البحر وأربعمائة في البر, وحكي مثله عن سعيد بن المسيب وقد روي نحو هذا مرفوعاً كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد حدثني محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها, فسأل عنه فلم يخبر بشيء, فاغتم لذلك, فأرسل راكباً يضرب إلى اليمن وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد بشيء, أم لا قال فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد, فألقاها بين يديه فلما رآها كبر ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خلق الله ألف أمة: ستمائة في البحر وأربعمائة في البر, فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه» محمد بن عيسى هذا وهو الهلالي ضعيف وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال لله ألف عالم ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وقال وهب بن منبه لله ثمانية عشر ألف عالم الدنيا عالم منها, وقال مقاتل: العوالم ثمانون ألفاً, وقال كعب الأحبار لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل نقله البغوي. وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال إن لله أربعين ألف عالم الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها, وقال الزجاج العالم كل ما خلق الله في الدنيا والاَخرة قال القرطبي: وهذا هو الصحيح إنه شامل لكل العالمين كقوله: {قال فرعون وما رب العالمين ؟ * قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} والعالم مشتق من العلامة (قلت) لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته كما قال ابن المعتز:
فيا عجباً كيف يعصى الإلهأم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آيةتدل على أنه واحد
** الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
وقوله تعالى: {الرحمن الرحيم} تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن الإعادة قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله رب العالمين ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب كما قال تعالى: {نبى عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم} وقوله تعالى: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} قال: فالرب فيه ترهيب والرحمن الرحيم ترغيب وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد».
** مَـَلِكِ يَوْمِ الدّينِ
قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع, ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها, ويقال مليك أيضاً وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ (ملكي يوم الدين) وقد رجح كلا من القراءتين مرجّحِون من حيث المعنى وكلتاهما صحيحة حسنة, ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لمن الملك اليوم} وقوله: {قوله الحق وله الملك} وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: {ملك يوم الدين} على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا شاذ غريب جداً وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي, حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون (مالك يوم الدين) قال ابن شهاب وأول من أحدث «ملك» مروان (قلت) مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب و لله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها (مالك يوم الدين) ومالك مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} وقال {قل أعوذ برب الناس ملك الناس} وملك مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وقال {قوله الحق وله الملك} وقال: {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسير} وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عامّ في الدنيا والاَخرة, وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواب} وقال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همس} وقال تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} وقال الضحاك عن ابن عباس {مالك يوم الدين} يقول لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدينا, قال: ويوم الدين يوم الحساب للخلائق وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر إلا من عفا عنه, وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف هو ظاهر وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى أن تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ثم شرع يضعفه والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم وأن كلاً من القائلين هذا القول وبما قبله يعترف بصحة القول الاَخر ولا ينكره, ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا, كما قال تعالى: {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسير} والقول الثاني يشبه قوله تعالى: { ويوم يقول كن فيكون} والله أعلم. والملك في الحقيقة هو الله عز وجل, قال الله تعالى: {هو الله الذي لاإله إلا هو الملك القدوس السلام} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً «أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله} وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟» وفي القرآن العظيم {لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار} فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملك} {وكان وراءهم ملك} {إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوك} وفي الصحيحين «مثل الملوك على الأسرة».
والدين الجزاء والحساب كما قال تعالى: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} وقال {أئنا لمدينون} أي مجزيون محاسبون, وفي الحديث «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي حاسب نفسه كما قال عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا, وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}.
** إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو ابن فايد بتخفيفهامع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة لأن إيا ضوء الشمس, وقرأ بعضهم أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء, وقرأ بعضهم هياك بالهاء بدل الهمزة كما قال الشاعر:
فهياك والأمر الذي إن تراحبتموارده ضاقت عليك مصادره
ونستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم, والعبادة في اللغة من الذلة يقال طريق معبد وبعير معبد أي مذلل وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف. وقدم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة, والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين, وهذا كما قال بعض السلف الفاتحة سر القرآن, وسرها هذه الكلمة {إياك نعبد وإياك نستعين} فالأول تبرؤ من الشرك, والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل, وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى: {فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون}, {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلن}, {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيل} وكذلك هذه الاَية الكريمة {إياك نعبد وإياك نستعين} وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه كما جاء في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قال الله حمدني عبدي, وإذا قال {الرحمن الرحيم} قال الله أثنى علي عبدي, فإذا قال {مالك يوم الدين} قال الله مجدني عبدي, وإذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل, فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما {إياك نعبد} يعني إياك نوحد ونخاف ونرجوك يا ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها وقال قتادة {إياك نعبد وإياك نستعين} يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أموركم وإنما قدم {إياك نعبد} على {وإياك نستعبن} لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم والله أعلم. فإن قيل: فما معنى النون في قوله تعالى: {إياك نعيد وإياك نستعين} فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير, ومنهم قال يجوز أن تكون للتعظيم كأن العبد له قيل إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل {إياك نعبد وإياك نستعين} وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله عز وجل وفقرهم إليه. ومنهم من قال إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به, والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم:
لا تدعني إلا بيا عبدهافإنه أشرف أسمائي
وقد سمى الله رسولهصلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} {وأنه لما قام عبد الله يدعوه}, {سبحان الذي أسرى بعبده ليل} فسماه عبداً عند إنزاله عليه وعند قيامه في الدعوة وإسرائه به وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين حيث يقول: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وقد حكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق, قال ولأن الله يتولى مصالح عبده والرسول يتولى مصالح أمته, وهذا القول خطأ والتوجيه أيضاً ضعيف لا حاصل له ولم يتعرض له الرازي بتضعيف ولا رد, وقال بعض الصوفية العبادة إما لتحصيل ثواب أو درء عقاب, قالوا وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده, وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى وهذا أيضاً عندهم ضعيف, بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال, قالوا ولهذا يقول المصلي: أصلي لله, ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العقاب لبطلت الصلاة وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله عز وجل لا ينافي أن يطلب معها ثواباً ولا أن يدفع عذاباً كما قال ذلك الأعرابي: أما أني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم «حولها ندندن».
..
|
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|